سيد قطب .. هل كان مفكّراً شهيداً، أم شخصاً تم خداعه ؟
سيد قطب .. هل كان مفكّراً شهيداً، أم شخصاً تم خداعه ؟ – بقلم: خيال بعيد
يحكي سيد قطب عن السبب الذي جعله ينضم الى جماعة الاخوان او الذي جعله يعرف انهم على حق !!. فيقول انه علم ان جماعة الاخوان هي التي تسلك طريق الحق عندما كان في امريكا في بعثة تابعة لوزارة المعارف , فرأى بعض أفراد الشعب الامريكي وهم في حالة فرح وسعادة عند سماع خبر اغتيال حسن البنا , فاستدل سيد قطب بذلك على أن جماعة الاخوان على حق طالما أن الشعب الامريكي قد فرح باغتيال البنا !! وأن هذه الحادثة هي التي لفتت نظره الى جماعة الاخوان وجعلته يهتم بها وينضم اليها عند عودته !!
حيث يقول عبدالله عزام مؤلف كتاب (عملاق الفكر الاسلامي – سيد قطب )
(ويشاء الله عز وجل أن يهديه سواء السبيل وأن يريه آياته ليجعله جنديا مخلصا في صف الدعوة الإسلامية ، وتحدث معه حادثتان تضطرانه للدخول تحت جناح الدعوة. أما الحادثة الأولى: فقد حصلت في (31) شباط (1949م) يقول فيها(اي سيد قطب ) أنه كان مستلقيا فوق سريره في إحدى مستشفيات أمريكا ، فيرى معالم الزينة وأنوار الكهرباء الملونة وألوان الموسيقى الغربية والرقصات ، ما هذا العيد الذي أنتم فيه? فقالوا: اليوم قتل عدو النصرانية في الشرق ، اليوم قتل حسن البنا ، وقد كانت هذه الحادثة كفيلة أن تهزه من أعماقه ، حسن البنا!! يحتفل بمقتله في داخل أمريكا ، إذن لا بد أن يكون الرجل مخلصا وأن تكون دعوته خطيرة حقا ، ترجف لسماعها أوصال الغرب هلعا واضطرابا .)
وعندما قرأت كلام سيد قطب للمرة الاولى في صباي تعجبت من أمرين – أما الأمر الاول فهو أن المفكر الحقيقي يعرف إن كان مذهب ما حق ام باطل بالنظر لنفس هذا المذهب وتحليل أفكاره , ولا يستدل على صحة مذهب لأن الامريكيين او اليهود يكرهونه !! وكأنه قد ارتسم في عقل سيد قطب هذا القياس المنطقي وهو ( لولا ان جماعة الاخوان على حق لما فرح الامريكيون بمقتل حسن البنا – ولكن الامريكيون فرحوا بمقتل حسن البنا – اذن جماعة الاخوان على حق ) وهذا يسمى في المنطق قياس شرطي متصل وهو مركب مركب من (لازم وملزوم ) او (شرط ومشروط ) (فإن سلمت بوجود الملزوم فأنت مضطر للتسليم بوجود اللازم ) او (اذا سلمت بوجود الشرط فيلزمك ان تسلم بوجود المشروط) ولكن هذا القياس الذي ارتسم في عقل سيد قطب , لا يرتسم الا في عقول العامة فقط لا المفكرين, لأن العامة يعرفون الحق من الباطل او الخطأ من الصواب بالنظر الى هذه الاّمارات والتي يمكن الخداع فيها والتمثيل فيها , وأما المفكرون فينظرون لنفس الافكار او المذهب لمعرفة هل هو حق ام باطل في ذاته , فكيف لشخص يزعم انه مفكر ان يقع في هذه العامية .
وأما الامر الثاني الذي لفت نظري عند قراءتي لكلام سيد قطب للمرة الاولى فهو هذا السؤال (هل بلغ من ثقافة الشعب الامريكي وسعة اطلاعه , أنه على معرفة بوجود شخص على الكرة الارضية اسمه حسن البنا او حتى ان هناك جماعة في العالم اسمها جماعة الاخوان توجد في مصر ؟؟!! وهل الشعب الامريكي المشغول بنجوم السينما, وبالمال وبالمراهنات, وسباقات الخيل وباللذات الحسية , يهتم اصلا بشخص اسمه حسن البنا, او يعرف اصلا انه موجود على قيد الحياة ويعيش في مصر ؟؟ !!) وهل من المعقول ان يترك موظفون امريكيون عملهم في مستشفى!! لكي يحتفلوا بمقتل حسن البنا عدو النصرانية بالرقص والغناء والموسيقى وتعليق الزينات !! وياليت ان سيد قطب قد قال أن بعض المفكرين الامريكيين قد فرحوا بمقتل حسن البنا, وانما قال افراد من الشعب الامريكي العادي !! فهل بلغت ثقافة العوام في امريكا انهم على علم واطلاع بوجود حسن البنا وجماعة الاخوان , وانهم خطر على الحضارة الغربية ففرحوا بمقتله ؟!! وهل بلغت شهرة حسن البنا أنها قد عمت الخافقين وانتشرت في طول العالم وعرضه حتى وصلت الى المواطن الامريكي العادي والذي لم يملك نفسه من الفرحة عند سماعه خبر اغتيال البنا فترك عمله في المستشفى وانهمك في الرقص والغناء وتعليق الزينات!!
ثم ما اعجب ان يستدل مفكر قضى شطرا كبيرا من حياته في عالم الفكر والكتب على صحة مذهب وكونه حق بتلك الحادثة والتي لا شك انها مدبرة وتمثيل ومشهد تمثيلي تم صناعته مخصوص من أجل سيد قطب حتى يصل الى هذه النتيجة , وكأن هناك من كان يعلم طبيعة ونفسية هذا الشخص ويريد توجيهه نحو فكرة ما او تيار ما , فصنع هذا المشهد التمثيلي مخصوص من أجله حتى يعطيه مقدمة حسية, يضيف اليها سيد قطب من عنده مقدمة اخرى فيصل الى نتيجة تجعله يتخذ قرارا بالانضمام لجماعة الاخوان . فأما المقدمة الحسية فهي ان (الامريكيون قد فرحوا بمقتل حسن البنا ) واما المقدمة التي اضافها سيد قطب من عنده فهي (لولا ان جماعة الاخوان على حق لما فرح الامريكيون بمقتل حسن البنا ) والنتيجة هي ( اذن جماعة الاخوان على حق )!!
ولكن يبدو ان الذي صنع هذا المشهد التمثيلي لسيد قطب قد اراد ان يدعمه بمشهد تمثيلي اّخر يجعل التأثير الفكري اشد في عقل سيد قطب — حيث يقول عبد الله عزام في كتابه السابق.
{وأما الحادثة الثانية: فقد حصلت في بيت مدير المخابرات البريطاني في أمريكا ، إذ كانت السفارات الغربية تتسابق في رمي شباكها لاصطياد الطلاب الشرقيين وإيقاعهم بحبائلها ليكرسوا في محافلها المختلفة ، ويقسموا العهد على خدمتها وإنذار الحياة خالصة لخدمتها ، وأي صيد أثمن من الكاتب المعروف سيد? فدعاه مدير المخابرات البريطاني إلى بيته ، يقول الأستاذ سيد: (واستدعى انتباهي أمران: الأول: إن هذا البريطاني يسمى أبناءه بأسماء المسلمين ، محمد وعلي وأحمد… ، والثاني وجدت لديه كتاب العدالة الاجتماعية ، وهو يعمل في ترجمته ، وهي النسخة الثانية في أمريكا إذ الأولى لدى وصلتني من أخي محمد قطب).
وبدأ الحديث عن أحوال الشرق وما ينتظره من مستقبل وأحداث ، ويعرج على مصر ليستفيض في الحديث عنها وتأخذ جماعة الإخوان المسلمين القسط الوافر من الحديث ، ويعرض علي تقارير مفصلة عن نشاط الجماعة وعن تحركات البنا وخطبه منذ أن كانت الجماعة ستة في الإسماعيلية حتى سنة (1949م) ، تفصيلات تؤكد أنهم قد سخروا أجهزة وأموال تتبع نشاط الإخوان وحركاتهم وسكناتهم ورصدوا لذلك أموالا ورجالا خوفا من هذا الغول البشع -الإسلام- وعقب البريطاني قائلا : (إذا قدر ونجحت حركة الإخوان في استلام حكم مصر فلن تتقدم مصر أبدا ، وسيحولون بعقليتهم المتخلفة بين الحضارة الغربية ، وستقف عقلياتهم المتحجرة دون تطور الشعب والأرض ، ثم قال: ونحن نأمل من الشباب المتعلمين أمثالك ألا يمكنوا هؤلاء من الوصول إلى سدة الحكم).
يقول سيد: قلت في نفسي (الآن حصحص الحق) ، وأيقنت أن هذه الجماعة على الحق المبين ، ولم يبق لي عذر عند الله إن لم أتبعها ، فهذه أمريكا ترقص على جمجمة البنا وهذه بريطانيا تسخر أجهزتها وأقلام مخابراتها -حتى داخل أمريكا- لمحاربة الإخوان.
يقول سيد: فصممت في قرارة نفسي أن أدخل الإخوان وأنا لم أخرج بعد من بيت مدير المخابرات البريطاني.}
فهاهنا مشهد تمثيلي اّخر يتم عرضه على سيد قطب حتى يعطونه مقدمة حسية يضيف اليها هو مقدمة ا خرى من عنده فيصل الى نتيجة , فأما المقدمة الحسية فهي ان (ان بريطانيا تحارب الاخوان ) واما المقدمة التي اضافها سيد قطب من عنده فهي (لولا ان الاخوان على حق لما حاربتها بريطانيا ) واما النتيجة فهي (اذن الاخوان على حق ) ولو عرضنا القياس المنطقي كله لقلنا (لولا ان الاخوان على حق لما حاربتها بريطانيا – ولكن بريطانيا تحاربها – اذن الاخوان على حق ) اي انه هنا ايضا لم يعرف الحق من الباطل أو الخطأ من الصواب بالنظر لنفس افكار الاخوان ومذهبهم , بل باستدلال عامي يمكن الخداع فيه , خاصة ان كان من يمثل له هذا المشهد هو ضابط مخابرات انجليزي درس كتب وشخصية ونفسية وتاريخ سيد قطب قبل ان يقابله , لدرجة ان اّخر كتب سيد قطب وهو كتاب (العدالة الاجتماعية في الاسلام ) كان موجودا عنده ويعمل في ترجمته وكانت النسخة الثانية من الكتاب في امريكا كلها !! فهل هذا الضابط لم يكن يعلم كيف سوف يفكر سيد قطب عند قيامه بهذا المشهد التمثيلي أمامه ؟؟ وهل هو ضابط مخابرات ساذج ام انه قام بعملية خداع عقلي لسيد قطب ؟
أترك الاجابة للقارئ