احذروا التقدم إلى الهاوية .. ماذا يحدث لمن يُعْملون عقولهم ؟! – بقلم: سامح عبد الله
إن المتاح مناقشته من الأفكار لا يشكل أكثر من نقطة في بحر مما يجب أن نناقشه بحرية وبطلاقة عقل.
تقدم الأمم مرهون غالباً بما تطرحه عقول مفكريها من أفكار تصطدم بصخور راسخة في العقل صنعتها مأثورات تُركت دون تدقيق وتمحيص حتى ارتدت ثوب المقدس وهي ليست كذلك.
شئ مرعب حقيقي أن تقترب من فكرة فاسدة تحاول أن تحركها..مجرد أن تحركها فقط من مكانها الراسخ بالعقل فتواجه بكل أشكال المقاومة حتى أنك تجد نفسك في النهاية أشبه بمن يريد أن يحرك صخرة عظمى بساعدين هزيلين.
هناك تجارب لمصلحين حاولوا ذلك كان رفاعة الطهطاوي والأمام محمد عبده وطه ومن قبلهما ابن رشد في الأندلس في مقدمتهم وربما نحتاج اليوم أن نعيد اكتشاف أفكارنا من خلال ما قدموه منذ قرون.
أتخيل ابن رشد وهو يصيح في وجوه حكام الأندلس ورجال الدين: “إن الله لم يخلق لنا عقول نفكر بها ثم شرع لنا ما يخالفها”
وأتخيل الشيخ رفاعة الطهطاوي وهو يثور في مواجهة الرجعية الدينية ” ليس هناك دار حرب ودار سلام في هذا العالم. هناك دار علم ودار جهل “.
وأتخيل الإمام محمد عبده وهو يصيح في وجه العلماء: ” هل إذا جد حادث لم تتناوله كتب الفقه والتراث.. هل نعمل العقل بشأنه أم تقف الحياة”؟! ثم يضيف: “والعلماء خاصة لايبالون بمصالح الوطن العليا فقد حصروا علمهم في الشروح والحواشي والتقارير علي نصوص قديمة، وجهلوا كل شيء سواها، حتي أصبحوا كأنهم ليسوا من أهل هذا العصر، بل ليسوا من أهل هذه الدنيا !
وإنما يعيشون علي هامش المجتمع”
لقد كتب طه حسين فى سنة 1923 كتاباً بعنوان “من بعيد “، وهو يحتوى على فصول لا يجمع بينها كما قال إلا أنها كُتبت من بعيد . فصل منها كان يتعلق بالنقاش حول ما إذا كانت الأرض تدور أم لا تدور ولم يقل الرجل فيه أكثر من أننا يجب أن نكتفي بالترجبح لا سيما عندما يتعلق الأمر بظاهرة علمية لم تحسمها الكتب الدينية التى يجب أن نسمو بها عن الخطأ والجدل وألا نحملها أوزار الشك واليقين، وعندها فقد لاقى الرجل أشد أنواع العنت التى أخذت ببعضهم إلى تكفيره ولم يكن الأمر يستحق ذلك قَط.
أتخيل هؤلاء وغيرهم وأتخيل ما صرنا إليه وربما كان العلاج هو أن نعود إلي صفحات هؤلاء وغيرهم نعيد قراءتها بعين منصفة وعقل يدرك بدلا من أن نتقدم إلى ما ننحن عليه وهو الهاوية بلا شك.