لماذا الحياة مملة ولا يفارقنا القلق والانزعاج والتعب النفسي ؟! – بقلم: حمودة إسماعيلي
يكمن القلق في المستقبل، والإنسان بما أنه مدفوع بالنظر نحو الأمام – مثلما يفهم الزمن كحركة خط مستقيم يمر من الخلف (ماضيه) نحو الأمام (مستقبله) – فإنه يجد القلق بالمرصاد، وتكمن وظيفة هذا الأخير بزرع الشك حول حيثيات المستقبل الذي قد يختلف عما تتوقع وذلك بانزلاقه نحو الأسوء ! طالما أن (المستقبل) نصفه تخمين بالحاضر ونصفه الآخر جهل بأحداث مطوية في رداء الزمن.. وكما في فيلم After Earth حينما يخبر قائد المركبة (Will Smith) ابنه بعدما تحول حاضرهم لأسوء السيناريوهات المحتملة : “الخطر موجود، لكن الخوف اختيار”، بذلك فالحالات النفسية باختلافها قد تنحو لأسوء جوانبها الاحتمالية، ولا يفيد القلق إلا باعتباره اختيارا فكريا نحو انتظار الأسوء، والقلق بجوهره خوف، والخوف دائما كامن بالمستقبل؛ بمقابل هذا الاختيار هناك العقل (المتحفز) الذي تطور على أساس التعامل مع الأوضاع المعقدة – إن لم يكن بسببها – نقطة الفصل هنا هي أن أي حالة اجتماعية تنشدها غير مرتبطة بالسعادة والهناء، فدائما هناك جحور تتسلل منها الطفيليات النفسية التي تتغذى من القلق، هناك مشاكل نفسية بأي وضع أو يمكن أن نقول إطلالات إزعاجية قد تتضخم، اخترت منها عشرة – بشكل تصاعدي لغرض تبسيط الفكرة – والتي (الإرهاصات) قد يحجب عنك القلق أسبابها الكامنة بحاضرها مشتتا انتباهك نحو المستقبل لتتغذى طفيلياته وتتضخم :
عندما تكون فقيرا.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بالمال.
يأتي المال – وعندما تكون غنيا.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بالعائلة (المعارف إجمالا).
تقطع الصلات – وعندما تكون وحيدا.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بالاهتمام.
نشدانك الاهتمام يجعلك تتغير – وعندما تكون مختلفا.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بالتواصل.
صعوبة تواصلك تجلب الضيق – وعندما تكون متضايقا.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بالعودة دائما لنقطة الصفر.
نقطة الصفر توهان – وعندما تشعر بأنك تائه.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بإيجاد هدف في الحياة.
هدف واحد بالحياة ممل – وعندما تشعر بالملل.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بغياب التحفيز.
غياب التخفيز شكل من أشكال الفراغ – وعندما تشعر بالفراغ.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بخيبة الأمل.
خيبة الأمل تعزل – وعندما تكون منعزلا.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بتقلب الأصدقاء (المحيطين إجمالا).
تقلب الأصدقاء غيمة كئيبة – وعندما تكون مكتئبا.. أغلب مشاكلك النفسية تتعلق بالتعب من الواقع.
التعب من الواقع هو نتيجة طبيعية لصراع لانهائي معه، لا تواجه الواقع أو تغيره أو تتصالح معه (دع عنك تخاريف كتب وبرامج “إنجح في 5 أيام واشرب عصير”) الواقع ليس حلبة أو غابة أو ديسكو عفوا أقصد مسرح ! الواقع هو شبكة من العلاقات مرتبطة بقيم اجتماعية نوعية ومحددة؛ مشكلتك مع الواقع، هي إشكالية علاقات، التعامل مع الواقع يتم عبر معرفة وتحليل شبكة هذه العلاقات، لنزع تلك المستنزفة للجهد والمشاعر الإيجابية (المنكدة للمعنويات)، وتغذية وجذب العلاقات التي “تفتح النفس”.
لكل وضع أو حالة أزماتها، هنا تكمن وظيفة العقل ليهبك حلا عبر إعادة برمجة علائقية. تخيل الأمر شبيها بحسابك – فيسبوك – سبب سوءه أو انزعاجك منه أو ميلك للنفور منه لا يتعلق أساسيا بالموقع بل بشبكة حسابات الأصدقاء، ليس الموقع هو الذي صار يثير اشمئزازك إنها البوستات التي تظهر لك (لأناس مرتبطة افتراضيا بك) بدليها يا حبيبتي أقصد بدلها يا أخي.. البؤس عدوى.