هل يمكنك أن تكون شخصية كاريزمية ؟
لم أتساءل يوما ما إن كنت أتمتع بمقومات الشخصية الجذابة والمؤثرة، أو ما يسمى بالشخصية الكاريزمية، أم لا، لكنني طرحت هذا السؤال مؤخرا.
قال لي مدير التحرير ذات صباح بلا مقدمات: “أريدك أن تنضمي إلى دورة لتتعلمي كيف تصبحين ذات شخصية جذابة”.
وما لبث أن رأى علامات الحيرة والذهول التي ارتسمت على وجهي، حتى استطرد قائلا إنه لم يكن يقصد أنني تنقصني الجاذبية الشخصية، وأحتاج إلى مساعدة. لكنه أراد أن يكلفني بمهمة البحث في مدى إمكانية تعلم القدرة على التأثير والإقناع التي تتحلى بها الشخصية الكاريزمية.
ثم انطلقت إلى شارع مايفير في وسط لندن لمقابلة ريتشارد ريد، عالم النفس الملقب بالسيد كاريزما، نسبة إلى الدورات التي يعقدها بانتظام لتعليم الناس كيف يصبحون ذوي شخصيات جذابة ومؤثرة.
ويشهد هذا النوع من الدورات إقبالا متزايدا من عملاء من مختلف الفئات، بدءا من رجال الأعمال، ونساء يريدن أن يحسّن مهاراتهن الريادية، إلى رجال مقبلين على الزواج، ويحضّرون لإلقاء خطبة العرس، وأناس يرغبون في تحقيق نجاح في علاقاتهم العاطفية.
ورغم أنني كثير الكلام وأستمتع بالتحدث أمام جمع من الناس، وأتبسم بين الحين والآخر، فلا أظن أنني أتمتع بشخصية جذابة. لكن عندما دلفت إلى مكتب ريد، سألته عن تقييمه لشخصيتي، وعن مقومات الشخصية الجذابة بالتحديد.
يقول ريد: “أول انطباعاتي عنك أنك تتمتع بالكثير من الخصال الإيجابية، فلديك طاقة تجذب الناس إليك، وأشعر بنشاط بالقرب منك”.
وقد فاق هذا الانطباع توقعاتي، حتى قال الكلمة المعتادة “ولكن”. وتابع: “هذه الطاقة تحتاج أن تُضبط بعض الشيء، لكي تتريث وتتوقف عن الكلام عند الضرورة”.
وأردف ريد سريعا حين أحس أني سأقاطعه: “وأن تعطي فرصة للشخص الآخر ليشارك في الحديث. فعندما يعبر الناس عن أنفسهم سيشعرون بالرضا عن الذات، ومن ثم من المرجح أن يستأنسوا بك”.
وتحدث ريد عن أهمية التواصل البصري، وطرح الأسئلة على من تخاطبهم، وأضاف: “إن استخدام الأسئلة التي تتطلب إجابات طويلة، التي تسمى بالأسئلة المفتوحة، يكشف عن اهتمامك بالشخص الذي تخاطبه، وبذلك سيمنحك الثقة وستجعله يصغي إليك باهتمام”.
ويمضي بالقول: “تُقاس الجاذبية الشخصية بالأثر الإيجابي الذي تتركه في نفوس الآخرين. ومن بين العلامات التي تدل على أن الشخص يتمتع بشخصية جذابة هي قدرته على النفوذ إلى أعماق الآخرين”.
وبعد أن قضيت ساعة مع ريد، كنت مهتما بالاستماع إلى آراء أبرز رجال الأعمال الناجحين عن الجاذبية الشخصية، وهل يعتقدون أنها من الممكن أن تُكتسب بالتعلم؟
وعندما عدت إلى مكتبي، اتصلت باللورد ديغبي جونز، وزير التجارة والاستثمار البريطاني السابق. ورد قائلا: “أرى أن الجاذبية الشخصية هي أن تتحلى بالثقة الكافية التي تساعدك على التواصل مع الآخرين باستمرار، ونقل رسالة إيجابية بوضوح وطلاقة”.
وتابع: “يمتدح الناس قدراتي على التواصل، ويقولون إنني أتحدث بلغة بسيطة وسهلة الفهم. ويعرف الناس عني أنني أجيب دائما على أي سؤال، ولا أتملص أبدا من الإجابة. فإذا فعلت ذلك وتحدثت بطلاقة وبسلاسة، سيصغي إليك الناس”.
ولكن هل يرى اللورد جونز أن الجاذبية الشخصية والقدرة على التأثير من الممكن أن تُكتسب بالتعلم؟
أجاب حونز: “من الممكن أن تشحذ مهاراتك في التأثير على الآخرين، وتصبح شخصيتك أكثر جاذبية. فهؤلاء الناس ذوو الشخصيات المؤثرة الذين يجعلون الأمور تبدو سهلة يبذلون قصارى جهدهم، ويقضون وقتا أطول في التحضير، ويضعون كل شي موضع تساؤل”.
ويضيف: “فعندما ألقي كلمة أمام الناس، يظن الحاضرون أنها وليدة اللحظة، لأنني لا أستعين بورقة ملاحظات. ولا يعلم هؤلاء أنني أجلس لساعة في بعض الأحيان في اليوم الذي سألقي فيه الكلمة لأفكر في صمت، ‘كيف سأصيغ هذه الفكرة، وكيف سيكون رد فعل الحضور؟ ‘”
وفي أحد شوارع لندن، التقيت ليدي باربرا جادج، رئيسة معهد المديرين البريطاني، وهو منظمة تجارية لدعم الشركات ومديريها. تتمتع جادج بشخصية قوية ذات مهابة، تمزج بين عظمة ملوك أسرة تيودور التي حكمت بريطانيا في القرن السادس عشر، وبين قوة سيدة الأعمال البارزة التي تحظى بمكانة مرموقة في مجال التجارة.
وفاجئتني بإجابتها حين قالت: “أرى أن الجاذبية الشخصية تكمن في الابتسامة، عليك أن تكون ذا وجه بشوش”.
وتابعت: “الجاذبية الشخصية تكمن في لغة الجسد، وأن تُشرك الناس معك في الأمر ليشعروا بالمسؤولية. ولكي تؤثر في الناس وتجذب انتباههم، يجب أن يكون اهتمامك منصبا على الناس الذين تخاطبهم وتقودهم، وليس على نفسك. فإذا استطعت أن تجعل الناس يشعرون بمدى أهميتهم، ستؤثر فيهم وتنجح في إقناعهم”.
وتضيف ليدي جادج أن عليك أن تؤمن بالكلام الذي تقوله. وتتابع: “فإذا أردت أن يعتقد الناس أنك قوي، عليك أن تبدو قويا”.
وتابعت: “فأنا مثلا أتعامل مع المواقف بحساسية مفرطة، وأتأثر بسهولة، قد تقول إنني مرهفة الإحساس. لكن عليك أن تتغلب على مشاعرك، وتبدو قويا، وتتكلم بقوة، وتتصرف بقوة وحزم”.
وهل تعتقد ليدي جادج أنه من الممكن تعليم الناس كيف يتمتعون بشخصية جذابة؟ وتجيب: “أزعم أنه يمكنك تعلم القدرة على التأثير والتمتع بشخصية جذابة”. وأضافت أنها تدربت في بداية حياتها العملية على مهارات الخطابة.
وتابعت: “إذا كنتُ قد استطعتُ من خلال التعلم أن أحسّن قدراتي الضعيفة في التأثير والإقناع لتصبح مقبولة، فأنا أزعم أنك بوسعك أن تُعلّم الناس كيف يتمتعون بشخصية جذابة؟”
إلا أن البعض يعارضون هذا الرأي، ومنهم ريتشارد وايزمان، الأستاذ في علم النفس، والخبير في مجال الجاذبية الشخصية.
يقول وايزمان: “لم أجرب من قبل تدريب الناس على مهارات التأثير والاستحواذ على الانتباه، لكنني أظن أن هذا سيكون عسيرا للغاية”.
يقول وايزمان إن القدرة على التأثير وجذب الانتباه “تعتمد على مجموعة فريدة من العوامل؛ بدءا من الحماسة والقدرة على نقل هذه الحماسة للآخرين، إلى إيصال رسالة بأسلوب سهل وبسيط ليفهمها الناس، وغير ذلك من العوامل”.
وتابع: “أظن أنك مهما حاولت أن تعلم الناس القدرة على التأثير وجذب الانتباه، ستبدو النتائج في الغالب ضعيفة”.
ورغم أن هناك آخرين غير واثقين من نجاح دورات تعليم القدرة على التأثير وجذب الانتباه، لم يتوقف ريد عن تنظيم هذه الدورات لعدد كبير من الشركات، منها مجموعة “إيرنست أند يونغ” للمحاسبة والمراجعة، وشركتا “سوفوس”، و”كاب جيميني” لتقنية المعلومات. كما عمل ريد مع شرطة لندن، ووزارة الدفاع البريطانية.
ويقول ريد: “أغلب من ينضمون إلى هذه الدورات هم أناس يتطلعون للترقي الوظيفي، أو يحاولون التعامل مع المواقف الصعبة بعد الترقي، أو رؤساء شركات ومؤسسات يرغبون في تعلم كيفية التأثير على الناس الذين يعملون تحت إدارتهم، وتوجيهاتهم”.
وعندما سألت ريد عن الشخصيات الأكثر جاذبية وتأثيرا في العالم، أجاب دون تردد: أوبرا وينفري والدلاي لاما.
ويقول ريد إن وينفري “تتمتع بكل الصفات التي تؤهلها لتكون ذات شخصية جذابة ومؤثرة”، أما الدلاي لاما فهو “متواضع، ودمث الخلق وودود”، على حد وصفه.
المصدر: بي بي سي