هل الإلحاد رغبة عابرة ؟ – بقلم: رمضان عيسى
تواجهنا بسؤال على صفحات التواصل الاجتماعي يقول : ما هي الجرائم التي تستحق الاعدام ؟ فذكر المتحاورون عدة جرائم منها : = يستحق الاعدام كل من يرتكب القتل المتعمد مع سبق الاصرار كل من :
1 – القاتل من أجل الجنس ، أي يغتصب ويقتل .
2 – القاتل بدافع عشائري ، ثأر ، أو من أجل منع زواج من عائلة لا تعجبه .
3 – القاتل بسبب أصولي ، لأن الآخر على غير دينه ، أو ملحد .
4 – الخائن للوطن وخدمة الأعداء ومساعدتهم في قتل أبناء وطنه .
ولكن تركز الحوار على: هل هناك آيات قرآنية أو أحاديث صحيحة تبيح قتل المرتد عن دين آبائه ؟ فقال أحدهم : إذا ارتد مسلمٌ ، وكان مستوفياً لشروط الردة – بحيث كان عاقلاً بالغاً مختاراً – أُهدر دمه، ويقتله الإمام – حاكم المسلمين – أو نائبه – كالقاضي – ولا يُغسَّل ولا يُصلى عليه ولا يُدفن مع المسلمين .
ودليل قتل المرتد هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه” رواه البخاري (2794) . والمقصود بدينه أي الإسلام. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة” رواه البخاري 6878 ومسلم 1676.
وكان لنا هذا الرأي حول قتل من يغير دينه:
تصوروا معي لو أن كل أتباع دين من يهود ومسيحيين وزرادشتيين وبوذيين ومسلمين ومجوس وعبدة الأصنام سنوا قانون القتل لمن يفارقهم في الدين، لما بقي حي على سطح الأرض، ولا حتى الأنبياء أنفسهم !! وذلك لأن الأنبياء، وكل الدعاة لدين جديد مالوا عن أديان أقوامهم، وارتدوا عنها ودعوا، أو اتبعوا ديناً جديداً، أو مختلفاً عن دين آبائهم . فلو تم تطبيق هذا القانون عليهم وقام المتعصبون من قومهم بقتلهم لما ظهر أي دين جديد، ولا حتى أي دعوة تنويرية جديدة !! فالقول بمثل هذا القانون هو وأد لكل روح جديدة في الفكر وفي الحياة. فهذا القانون شكلاً ومضموناً مضاد للانسانية وحرية الرأي والمعتقد .
والسؤال: هل تغيير الدين رغبة عفوية، أو وعي واعتقاد جديد ؟ هل الالحاد رغبة عابرة ؟ وكذلك عليك أن تسأل نفسك : هل الحُب رغبة ؟ فالإلحاد وتغيير الدين والحب ليسوا رغبات يطلبها الانسان فتأتي دون سابق مقدمات، لا انها أحداث مرتبطة بتطور عاطفي في حالة الحب، وبتطور فكري في حالة تغيير المعتقد. من دين الى دين، أو من دين الى لا دين.
كل هدف للانسان تدفعه ارادة ، إلا تغيير المعتقد ،أو الالحاد ، أو الحُب ، فتغيير المعتقد الديني ، أو الإلحاد يأتيان نتيجة لتعمق معرفي يكتشف فيه الانسان أن كل ما لديه من معارف سبق له أن تشربها من الأُسرة والمجتمع والمدرسة – كل هذه الأفكار – يكتشف أنها مختلطة بالخرافات والأساطير وحكايات عن شواخص خيالية أنتجها العقل البشري في زمن طفولته .
والآن ، تجري مقارنة كل هذا بالمعارف العلمية – من علم التشريح ، والجيولوجيا ونظرية داروين وعلم الأجناس البشرية وعلم الاحاثة والمتحجرات والنظرية النسبية ، وعلم الفلك .
هذا بالاضافة الى أنه تتعزز لديه الرجاحة في التفكير والتحلي بالمعقولية التسلسلية التي تقول أن لكل شيء سبب معقول ، –
– بعد كل هذا تأتي الارادة والرغبة في التحرر من كل الترسبات الفكرية التي أرضعتها له الأُسرة ، أو المناهج المدرسية !! فتتعاظم لديه الجرأة للتقرير بين أن تكون كافرا بالعلم ومعطياته الحديثة ، أو أن تسير في نهر مياهه عكرة تكون فيه فريسه سهلة لتماسيح الفكر الميثولوجي ، وتجار الأديان على مر التاريخ .
هنا تتجلى الارادة الحُرة في القرار ونزع فتيل الخوف من المجهول وتحطيم مجموعة القيود التي ألبسك إياها المجتمع منذ الطفولة ، والتحلي بالواقعية في التفكير والتسلسل من السبب الى النتيجة المعتمدة على المنهجية الفلسفية للتراكم المعرفي.
من هنا تشعر بالحرية الحقيقية ، والرغبة في الانعتاق ، واشتعال القدرة على اتخاذ القرار في أي اتجاه تسير !! مع العلم وواقعية التفكير والقرار ، أم مع الانسياق خلف الخرافة والاسطورة والخوف من المجهول مسألة الايمان هي مسألة وعي ومعرفة ، وهي مسألة نسبية تنمو مع الأحداث وقد تضمحل بنسبة ما في ظروف معينة ، وقد تتعزز وتتملك الشخص في ظروف خاصة من حياة الانسان !
فالايمان هو الاعتقاد أن ” سفينة عقلك قد وصلت الى آخر مرفأ ، ولا تحتاج للمزيد ” ، ومن من البشر توقف عقله عن التفكير ، ووصلت معرفته الى آخر الشوط ؟
ومن توقفت محاولاته لتعلم الجديد ، فلا يستطيع أن يعرف مستوى المعرفة التي عند الآخر ، ولكن الآخر يعرف مستوى المعرفة التي وصل اليها المؤمن بالغيبيات لأنه عرفها وتخطاها !!! ولديه معلومات أكثر منه عن التاريخ والكون والطبيعة والأجناس البشرية وكيف نشأت اللغات وتعددت بتعدد الشعوب ، وكيف نشأت الأديان وتنوعت ، وكيف تم استغلال الأديان في التعدي على الآخر المختلف !
وبهذا أصبح موقف العلماني ، أو الكافر ، أو الملحد أكثر وضوحاً من الميتافيزيقي ، الذي يؤمن بالغيبيات ، لأن تفكيره محصور في تصور ميتافيزيقي ، غيبي واحد ، ومن لا يعرف غير دينه ، فهو لا يعرف شيء ، وستكون آراءه ذات بُعد واحد ، ولا يرى العالم إلا من ثقب صغير في جدار صومعته !
وقد عرف التاريخ ، والعصر الحديث الكثير من المواقف لأناس مشهورين لم يقتربوا من مسألة الايمان الدين ، ولم تقبل عقولهم شواخص وعمالقة الغيب والأحلام!