مقالات تاريخية
بعيداً عن التقديس .. ما لا تعرفه عن خالد بن الوليد !
بعيداً عن التقديس .. ما لا تعرفه عن خالد بن الوليد !
خالد بن الوليد، سيف الله المسلول
“اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد” قالها النبي محمد بعد أن قتل خالد بن الوليد أسراه من بني جذيمة لأنه رآهم يحملون السلاح. كانت هذه أول حادثة تعرضه للنقد بعد إسلامه حين أرسله النبي ليدعو بني جذيمة إلى الإسلام. فلما تمكن من أسرهم بعد أن ألقوا السلاح طواعية، أمر بهم فقتلوا. وشكاه بعض الأنصار ممن أنكروا عليه فعلته إلى النبي الذي تبرأ مما فعل وأدى الدية إلى أهالي المقتولين. وأغلب الظن أنه فعل ذلك انتقاماً لمقتل عمه على أيدي بني جذيمة في الجاهلية كما اتهمه بهذا عبد الرحمن بن عوف حينها.
كانت لخالد مكانة رفيعة في قريش فهو ابن أحد سادة بني مخزوم. وكان المحارب البارز الذي تمكن من الحاق الهزيمة بجيش المسلمين في معركة أحد. عرف خالد بن الوليد بإقدامه في المعارك وعقليته العسكرية المتميزة التي أكسبته ثقة النبي وأبي بكر في توليته قيادة الجيوش. ظهر تميزه القيادي في معركة مؤتة حين قتل القادة الثلاثة للجيش على التوالي. وتمكن بخديعة عسكرية من أن يسحب الجيش ويتجنب هزيمة مقاتليه الثلاثة آلاف أمام مئتي ألف مقاتل من الروم والغساسنة. وفي هذه الواقعة أسبغ النبي عليه لقب “سيف الله المسلول”. كما اشترك في حروب عدة أيام النبي مثل فتح مكة وحنين وتبوك وغيرها. كما كان له دور بارز في حروب الردة في عهد أبي بكر، حيث هزم طليحة بن خويلد الأسدي الذي تنبأ في حياة النبي وعظم أمره بعد وفاته. وفي حروب الردة هذه، بدأت قسوة خالد تتزايد حين شعر بالحاجة له، وأمن العقاب، وعلل نفسه بأنه يحارب لنصرة الدين مما يجعل كل ما يسفك من دماء قرباناً مشروعاً لله.
كان أول أخطائه الوحشية التي استعملها مع مالك بن نويرة الذي قال الكثير من المؤرخين أنه لم يرتد ولكنه تريث في دفع الزكاة بعد وفاة النبي. وأياً يكن الحال، فإن قتل ابن نويرة ثم وضع رأسه كأحد الأحجار التي تستند إليها القدور على النار، ثم الدخول بزوجته أم تميم كانا لهما وقع الصدمة على الكثير من رفاقه المحاربين. ووصل الخبر إلى المدينة فاستشاط جمع من الصحابة غضباً وضمنهم عمر بن الخطاب الذي قال حينها: “إن في سيف خالد رهقاً”، وطالب أبا بكر بعزله وعقابه. لكن أبا بكر تصرف كسياسي يحتاج إلى جنراله البارع، فعنف خالداً على ما فعله وأمر بأداء دية مالك لأخيه متمم، ورد من سباهم من قومه من بني يربوع. ثم هاجم خالد مسيلمة الكذاب وتمكن من الانتصار عليه وصالح من بقي من قومه وأغلبهم من النساء والأطفال. ثم طلب ابنة أحد كبار زعمائهم وهو مجاعة بن مرارة للزواج بعد نهاية المعركة. وعندما وصل الخبر إلى المدينة اشتد عليه عمر بن الخطاب في النقد أمام أبي بكر فكتب له أبو بكر كتاباً يعنفه فيه قائلاً: “لعمري يا بن أم خالد إنك لفارغ. تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجفف بعد”. وحين قرأ خالد كتابه قال: “هذا عمل الأعيسر”، ويقصد بهذا عمر بن الخطاب.
ثم يذكر المؤرخون واقعة “نهر الدم” أو معركة “أليس” مع الفرس، والتي نذر فيها خالد أن يحيل لون نهر الفرات إلى الأحمر بدماء الأعداء. وحين انتصر في المعركة قطع رؤوس الأسرى وألقى بهم في النهر في مشهد يذكرنا بما قامت به داعش في العراق. وإنه لمن العجب أن نرى كاتباً إسلامياً مثل د. محمد حسين هيكل يقول إن الاعتراض على هذه الوحشية يدعو للابتسام.
استمر خالد في انتصاراته في العراق، ثم أرسله أبو بكر إلى الشام ليعين جيوش المسلمين هناك في مواجهة الروم. وحين توفي أبو بكر وتولى الخلافة عمر بن الخطاب كان أول عمل له هو عزل خالد بن الوليد من قيادة الجيش وتولية أبي عبيدة بدلاً عنه. وبدا أن ما في قلب عمر من غضب عليه بسبب أفعاله السابقة كان حاكماً في تصرفاته تجاه خالد. إضافة إلى هذا، كان عمر يتخوف من التضخم الظاهر في شخصية خالد الذي بدأ يشعر وكأنه القائد الذي لا بديل عنه، فأخذ يعطي الشعراء أعطيات على مدحه مما دعا الخليفة لاستقدامه إلى المدينة ومساءلته عن هذا الأمر.
هذا هو خالد بن الوليد بكل ما قرأناه عنه في مدارسنا وكتبنا من بطولات وأمجاد، وما تحكيه لنا مصادر التاريخ من أخطاء ونزوات. يبدو لنا بين سطور التاريخ متميزاً في انجازاته العسكرية، وبشراً في ضعفه وشهواته كغيره من تلك الأجيال التي شهدت الحركة الانسانية والاجتماعية المهمة في جزيرة العرب وما حولها بعد بدء الدعوة الاسلامية.
المصادر: “البداية والنهاية” لابن كثير، و”سير أعلام النبلاء” للذهبي.