رحل الزعيم جمال عبد الناصر تاركا للسادات٬ الجيش الذى تمت عملية إعادة بناءه من الصفر عقب هزيمة ٬1967 وخاض هذا الجيش حرب الاستنزاف التى تعتبر الحرب الرابعة بين العرب وإسرائيل٬ وهى الحرب التى أعترف قادة إسرائيل أنفسهم بالهزيمة فيها.
كما ترك عبد الناصر لمصر حائط الصواريخ الشهير على الحافة الغربية لقناة السويس٬ وبوجوده تم تأمين سماء مصر من غارات الطيران الإسرائيلى وأصبح العبور للضفة الشرقية٬ وبقيت المعركة مسألة وقت كان عبد الناصر يرى أنها لن تتأخر عن ربيع 1971 وترك عبد الناصر الخطة “جرانيت” والتى صدق عليها قبيل وفاته المفاجئة٬ والتى تتضمن ثلاث مراحل تبدأ بعبور القناة وإقامة رؤوس لخمسة كباري٬ ثم الوصول إلى منطقة المضايق الحاكمة بسيناء. كما ترك عبد الناصر الخطة 200 أو “المآذن العالية” التى تحسبت لهجوم مضاد للعدو فى منطقة المفصل الحرج بين الجيشين الثانى والثالث
٬ حددت الخطة مكانه عند البحيرات المرة فى منطقة الدرفسوار٬ لكن إستحواذ السادات منفردا علي سلطات القرار بالقوات المسلحة بوصفه قائداً أعلى وإمتداد سيطرته ليكون قائداً عاماً للقوات.
يقول الفريق أول محمد فوزي في كتابه”حرب أكتوبر دراسة ودروس” الصادر عن دار الكرمة للنشر والتوزيع :” تسلط الرئيس السادات وتدخله في الشؤون الميدانية دون علم أو معرفة الأمر الذي يحول المناقشة إلى قوة ضغط غير قابلة للنقاش أو المراجعة٬ كان لسيطرة السادات علي القرار النهائي في القوات المسلحة عام 1973 مع وجود قائد عام للقوات تأثير ضار على أسلوب القيادة والسيطرة كما في إدارة العمليات.
يشير الكتاب إلي أن الهدف العسكري للمعركة تحرير الأرض علي مراحل متتالية٬ لم يكن يتماشي مع نوايا السادات الحقيقية التي عبر عنها في لقاءاته مع قادة وضباط وجنود القوات المسلحة بقوله : “أنا مش عاوز منكم غير شبر واحد أحل الموضوع سلميا”. وكان للإتصالات المتبادلة بين السادات والجانب الأمريكي عبر هنري كسينجر تؤكد أنه لم يكن ينوي الإستمرار في التقدم شرقا بعد حصوله علي تغيير الموقف في الجبهة تغييرا ملموسا٬ بالقدر الذي يسمح بالتدخل الأمريكي لوقف إطلاق النار والبدء في المفاوضات للتسوية المقبولة٬
وعلي ذلك أصبح شكل المعركة مجرد معركة محدودة مقيدة من أجل تحريك العمل السياسي. وضع السادات هذه القيود العسكرية أمام هيئة تخطيط العمليات٬ وأضيف إليها الجدل المتولد من فكرة “سعد الدين الشاذلي” رئيس الأركان والفريق أول “أحمد إسماعيل” القائد العام للقوات المسلحة٬ ثم فكر القيادة العسكرية السورية. وكل فكر يحمل آراء متناقضة انحصرت في رأيين : أولهما القتال من أجل تحريك قضية سياسية٬ وثانيهما فكرة تقضي بضرورة احتلال القوات المصرية للمضايق كمرحلة أولي٬ وكان هذا التناقض سببه عدم وضوح الرؤية للهدف السياسي الذي حدده السادات.
تناول الكتاب بالدراسة أهم مواجهة بين العرب والعدو الإسرائيلي٬ حيث يشرح جميع المعارك بين القوات المسلحة المصرية والقوات الإسرائيلية من 6 إلى 10 أكتوبر 1973 وأسرار التخطيط وأسلوب الإدارة، وتحركات مسرح العمليات والمواقف الدولية٬ مستند إلى الوقائع الميدانية ومبادئ العلوم العسكرية، يُظهر البطولات العسكرية لأفراد الجيش المصري٬ وأن قادة معارك أكتوبر في مصر وإسرائيل لم يتغيروا منذ الجولة الأولي للصراع عام 1948 وقد أشتركوا فيها وكانوا ضباطا صغار٬ ثم أشتركوا في معارك56 وهم قادة كتائب ولواءات واستكملوا حرب الإستنزاف وهم بنفس الرتب٬ وصولا إلي أكتوبر وهم قادة جيوش برتب جنرالات.
انتهي الصراع بين مصر وإسرائيل في أكتوبر73 بوجهه العسكري عن حصار الجيش الثالث الميداني٬ بينما انتهي الصراع الدبلوماسي الذي أعقب المعركة بصلح السادات المنفرد مع إسرائيل وتوقيع معاهدة “كامب ديفيد” التي تركت سيناء منزوعة السلاح٬ وزادت من رقعة الأمن الجغرافي لإسرائيلي في الوقت نفسه الذي هددت فيه أمن مصر بصفة دائمة٬ كما فرضت إسرائيل نفسها كدولة تسيطرعلي المنطقة سياسيا واقتصاديا وإجتماعيا وأصبحت كلمتها مسموعة للعالم كله.