سوسيولوجيا العنف والإرهاب لإبراهيم الحيدري – عرض: محمد عجلان
“لقد أصبح الإرهاب هاجس خوف وقلق يثير الرعب، خاصةً وأن الإرهاب ليس حرباً نظامية، وإنما يعبر عن نفسه بأعمال إرهابية مختلفة وعلى شكل حرب عصابات غير منظمة” لعل هذا الكلام الذي سطره الحيدري في كتابه هو أحد دوافعه لمواجهة ظاهرتي العنف والإرهاب بكتابه “سوسيولوجيا العنف والإرهاب” الصادر عن دار الساقي البيروتية مؤخرًا.
يعرض الحيدري من خلال كتابه لموضوع غاية في الخطورة والأهمية على حد سواء، ألا هو موضوع الإرهاب، وترجع أهمية الموضوع لآنيته وحصاره لمساحة كبيرة من العالم العربي على وجه الخصوص، وبقية دول العالم بصفة عامة، وإذا كان الموضوع ليس جديداً والتناول نفسه ليس أول التناولات، لكن الكتابة عن القضية في ظل الاشتعال الذي يحاصرنا من كل جانب، يصبغ الكتاب بأهمية خاصة، ويجعله محاولة جادة للتنقيب في جذور مشكلة الإرهاب، بما يؤهلنا لمعرفة الأسباب وبالتالي تحديد أفضل العلاجات لهذا المرض الذي يضرب المجتمعات بكل أشكالها بكل عنف وقسوة.
تعريف بالكاتب:
والحيدري عالم اجتماع وكاتب عراقي. يحمل دكتوراه فلسفة من جامعة برلين الغربية. درّس في جامعات برلين الغربية وبغداد وعنّابة، وحصل على مرتبة أستاذ مشارك في علم الاجتماع. صدر له عن “تراجيديا كربلاء”، “صورة الشرق في عيون الغرب”، “النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب”، “النقد بين الحداثة وما بعد الحداثة”.
جاء الكتاب في مقدمة وخمسة فصول ويقع في336 صفحة، وقبل التطرق لتفاصيل كل فصل على حدة، يمكننا القول: إن الكاتب قد انطلق من سؤال مركزي هو، هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابياً؟ ولماذا يفجّر الإرهابي نفسه وهو منتشٍ من الفرح ؟! حيث كان الكتاب في مجمله محاولة جادة للإجابة على هذا السؤال، حتى لو كان الظاهر أن الكاتب قد عرض السؤال في فصل خاص، وأجاب عليه بما يناسبه، لكن الفصول السابقة واللاحقة عليه كانت تدور في فلك هذا السؤال ومحاولة الإجابة عليه.
الفصل الأول:
وجاء الفصل الأول بعنوان “سوسيولوجيا العنف”، قام فيه الكاتب بالإجابة على سؤال: ما هو العنف ؟ حيث اعتبره ظاهرة اجتماعية، وعرض للتعريف اللغوي والاصطلاحي له، وأكد على أن جميع الأديان والرسالات والنظريات الاجتماعية قد أدانت العنف، ثم استعرض الاتجاهات النظرية التي قامت بتفسير العنف، مركزا على عدة مدارس منها: المدرسة البيولوجية، المدرسة النفسية، المدرسة الاجتماعية. ثم انتقل الحيدري من بحث العنف إلى بحث إشكالية الإرهاب، فقام بعرض تعريف الإرهاب وتاريخه والأسباب التي تعمل على تخليقه في المجتمع، حيث قسّم هذه الأسباب إلى أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة، وقد حصر الأسباب المباشرة في العوامل السياسية والدينية والعرقية، والأسباب غير المباشرة في العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. واعتبر الإرهاب ظاهرة عالمية تشكل خطراً على الأفراد والمجتمعات على حد سواء، مشيراً إلى دور المنظمات الإرهابية في نشر العنف والإرهاب على الصعيد العالمي. ثم ختم هذا الفصل بعرض لموقف الفلسفة والإسلام من العنف، وعرض شبه واف لتناول كبار الفلاسفة والمصلحين العرب والأجانب من ظاهرة الإرهاب، فاستعرض موقف الفارابي وابن خلدون، ثم عرض لمواقف أصحاب نظرية العقد الاجتماعي (هوبز – لوك – روسو) وكذلك ماركس وماو وسارتر وفوكو وغيرهم.
الفصل الثاني:
وجاء الفصل الثاني بعنوان “الثقافة والعنف”، وقد بدأه الكاتب بعرض تعريف الثقافة وأكد على أن عملية التثقيف تساعد على نمو الفرد وتطور شخصيته وميوله التعاونية أو العدوانية. فإذا كانت التنشئة الاجتماعية والتربوية تميل في مجتمع معين إلى تشجيع النزعة التعاونية، فإن سلوك الفرد في الغالب يصبح اجتماعياً تعاونيا وليس أنانياً، أما إذا طغت النزعة العدوانية على عملية التنشئة، فإن سلوك الأفراد يميل في أغلب الأحيان إلى العنف والأنانية والنفور من التعاون. وكأن الكاتب يعتبر الفرد نتاج للثقافة العامة وما تتبناه من توجهات، دون أن يغفل عن احتمالية الشذوذ عن القاعدة العامة بتأكيده على الاحتمالية في كلامه، لكنها احتمالية لا تؤثر في القاعدة العامة لطرحه. وأكد الحيدري على أن المجتمعات التي تسودها الأبوية والنزعات العرقية والقبلية وتنعدم فيها الحرية، يتراجع فيها الحوار والتواصل أمام العنف والإرهاب. ثم تطرق الكاتب في هذا الفصل إلى الأشكال العديدة للعنف، منها العنف المضاد، العنف العرقي، العنف الديني، العنف الجنسي، والعنف الرمزي. ثم عرض للحرب وأنواعها وفلسفتها باعتبارها أعلى أشكال العنف والإرهاب، ثم ختم هذا الفصل بالتطرق للبطل “الكاريزما” ودوره في قيادة وتحريك الجماهير.
الفصل الثالث:
أما الفصل الثالث، فقد جاء تحت عنوان “الأصولية بين الشرق والغرب”، بدأه الكاتب بعرض مفهوم الأصولية وارتباطاته بالحركات الدينية، مع التركيز على حركات ما يُعرف بـ “الصحوة الإسلامية”، وعرّف الأصولية باعتبارها الرجوع إلى نصوص الكتب المقدسة والأحاديث النبوية من أجل تطبيقها في الحياة المعاصرة. وأكد الحيدري على أن الأصوليات المتطرفة ذات العقليات الغيبية المتحجرة توجد في الغرب مثلما توجد في الشرق، بين اليهود والمسيحيين والمسلمين وغيرهم. وأرجع الكاتب جذور الفكر السلفي إلى الصراع الذي بدأ في التحكيم ما بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، والذي كان نشوء فرقة الخوارج من بين نتائجه المباشرة، والتي كانت البداية الأولى للفكر التكفيري في التاريخ الإسلامي، والتي يعتبرها الكثيرون الجماعة الأم لكل الجماعات التكفيرية في العالم الإسلامي. ثم أخذ يعرض التطور التاريخي لهذا الفكر السلفي، مروراً بكل من أحمد بن حنبل وابن تيمية وصولاً للوهابية، مع التأكيد على أوجه الشبه ما بين البدايات العنيفة للحركة الوهابية في الجزيرة العربية والنهج الذي يتبناه تنظيم القاعدة وخاصة “داعش”. وعرض الكاتب في هذا الفصل لأهم الحركات الإسلامية المتطرفة، خاصة جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وتنظيم داعش. وكذلك تم تناول الأصوليات الدينية الأخرى في اليهودية والمسيحية، من خلال عرض للسياق التاريخي لهذه الأصوليات، فأشار إلى أن اليهودية شهدت أقدم حركة إرهابية متطرفة عرفها التاريخ المكتوب، وهي حركة الورعاء اليهود في القرن الأول للميلاد. وكذلك عرض للعنف المسيحي في القرون الوسطى، وحجم المذابح التي ارتكبت باسم الدين.
الفصل الرابع:
وكان الفصل الرابع بعنوان “في سوسيولوجيا الإرهاب”، وكان هذا الفصل بمثابة الإجابة المباشرة عن السؤال المركزي للدراسة وهو: هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابياً؟ ونفى الكاتب كون الإرهابي لا يولد إرهابياً، ولكنه يخضع لعدة عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وعقائدية ترمي به في هوة الإرهاب، لدرجة أن يفجّر نفسه وهو منتشٍ ويعتقد أنه يسلك بهذا الفعل طريقه إلى الجنة ونعيمها، وقد بحث المؤلف هذه الأسباب خلال هذا الفصل. ورأى الحيدري أن من أسباب التوسع السريع لتنظيم “داعش” هو انهيار المشروع القومي العربي، وكذلك فشل الحركات الإسلامية المعتدلة، مع غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان وانتشار الفساد، كل هذه الأسباب خلقت فضاءً يتحرك من خلاله تنظيم داعش. واعتبر الكاتب أن الحداثة التي فتحت بابها عبر حملة نابليون على مصر، قد خلقت حالة من الصدمة دفعت البعض إلى التشبث بالماضي كبديل للمطروح الحداثي، وبدأت مقولات من أمثال الأصالة والمعاصرة، التجديد والمحافظة، إلى آخر هذه المقولات، والتي قسمت المجتمع ما بين طرفين، أحدهما يطالب بالأخذ بالحضارة الغربية وتتبع ما وصلت إليه، والآخر الذي أصيب بهزة نفسية وعقلية فعاد للماضي يستعين به على هذه المواجهة مع الحداثة الغربية. وحاول الكاتب طوال هذا الفصل أن يبحث في العوامل التي تؤدي إلى وجود الإرهاب في المجتمع.
الخاتمة
وقد اختتم الكاتب دراسته عن العنف والإرهاب بفصل عن التسامح بعنوان “ثقافة التسامح”، عرض من خلاله لمفهوم التسامح، حيث قام بتعريفه، مع عرض السياق التاريخي للمفهوم، وبحث التسامح في الأديان المختلفة مع التركيز على المسيحية والإسلام. وأشار إلى أن التسامح في الغالب يولد من رحم التعصب، مؤكداً على كون التسامح يقوم على الاعتراف الكامل بالآخر وحقوقه. وعرض الكاتب بعد ذلك للتسامح العصر الحديث، حيث بحث دور فلاسفة التنوير من أمثال لوك وفولتير وكانط في نشر ثقافة التسامح، وقام بعرض لنماذج عالمية أكدت على فكرة التسامح ومارستها بشكل عملي، وجاء على رأس هؤلاء المهاتما غاندي في الهند ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا. وتطرق في نهاية الفصل لإعلان منظمة اليونسكو مبادئ التسامح، كما عرض للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبذلك ختم الكاتب كتابه، بعد أن عرض بشكل وافِ لكل من العنف والإرهاب والتسامح باعتبار التسامح نقيض العنف والإرهاب.
عرض الكاتب لنماذج تاريخية لكل من العنف والإرهاب والتسامح، مع توضيح أسباب كل منها على حدة، باعتبار أنها نتاجات لبيئات معينة، تعمل هذه البيئات إما على تأكيد ثقافة العنف والإرهاب من خلال الضغوط المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية، أو تؤكد على ثقافة قبول الآخر من خلال تفعيل الديمقراطية كنظام وثقافة، والتركيز على لفت الأنظار إلى خطورة ثقافة العنف وما يمكن أن تؤدي إليه من ضرب أسس الحياة، ونشر الخوف والرعب بين أفراد المجتمع.