الإدمان الطائفي، ميزة المجتمع العربي الطاغية: علاجه .. نعم أنا مدمن – بقلم: يعقوب الأسعد
قامت العديد من الدراسات الأجنبية لأجل إيجاد حلول للإدمان على إختلاف أنواعه ، إدمان السجائر ، إدمان الكحول، إدمان المخدرات ، إدمان الجنس … كل أنواع الإدمان. استطاعت تلك الدراسات أن تجد حلاً للإدمان ، وهذا الحل ليس دواءً يشرب و لا ضمادات تضع على الاكتف تساعد المدخن مثلاً على الكف عن التدخين، أو تركيبة كيميائية تساعد على تجنب الكحول أو على الكف عن التعاطي ، فالحل هو أن يجتمع مجموعة من المدمنين على شكل دائري بوجود متخصص إجتماعي ويبدأوا بالتحدث عن مشاكلهم وأن يبدؤا بجملة أنا مدمن ومن ثم بعبارة لم اتعاطى منذ كذا يوم أو كذا شهر . هذه العملية وهذا الإعتراف يشكل النواة الصلبة التي يعتمد عليها العلاج ، حيث أن الإعتراف بالمرض هو أول خطوة للعلاج.
ثم إن وجود شخص ما إلى جانب المدمن يعاني من نفس المشكلة التي يعاني منها يساعده على الإعتراف ويجعل لديه دافع معنوي للبوح بمشاعره ومن ثم دافع غيري(بكسر ال غ) للتقدم بالعلاج . ثم إن الشكل الدائري وقرب الأشخاص من بعضهم البعض يساعد الأشخاص على التقرب من بعضهم البعض وأيضاً يوفر جو من الحميمية ومن الصداقة ومن الشعور بالأمان يحتاج إليه المدمن لكي يتقدم بالعلاج.
هذه الطريقة هي المعتمدة من قبل اساتذة الإجتماع ومن قبل الأطباء النفسيين لمعالجة حالات الإدمان ، لأن الإدمان بجانب كبير منه نفسي و بمجرد علاج النفس يصبح علاج الجسد بسيطاً ، وإن كان علاج الجسد ببعض حالات الإدمان يتقدم علاج النفس كحالة المخدرات، فإن علاج النفس ومعنوياته هو الأبقى و الأقدر . لسنا بعلماء إجتماع ولسنا نناقش هنا وضعاً طبياً، وإنما نحن بصدد الإنطلاق من علاج إدمان إلى علاج إدمان أخر من نوع آخر: الطائفية .
للأسف إن مجتمعاتنا العربية ، مجتمعات طائفية وإن رفضنا الإعتراف بذلك، فذلك لا يخلع عنه هذه الصفة. إن ما يحدث لبلداننا ما كان ليحدث لو لم نكن مدمنون طائفية. إن النعرات التي تحدث والفتن التي تعصف بنا ما كانت لتحدث لو لم نكن طائفيون. إن الحروب التي تقتل الطفولة وتدمر البلدان والتي تنسف مؤسسات الدولة ما كانت لتحدث لو لم نكن طائفيون. إن الإحتكام للغرب والائتمار به ما كان ليحدث لو لم نكن طائفيون… إن العصبية في النقاش على مواقع التواصل الإجتماعي و السباب والشتم و الشتم الأخر و ما يولد من ضغن و كره و حقد عند القراء ما كان ليحدث لو لم نكن طائفيون. إن الوقوف عند رأي واحد متحجر و رفض الرأي الأخر و الذهاب إلى حد تكفيره و إخراجه من الملة ما كان ليحدث لو لم نكن طائفيون. إن الإحتكام إلى أحداث جرت منذ 1400 سنة و توسيع الشرخ في الأمة ما كان ليحدث لو لم نكن طائفيون .
إن الوقوف وراء أبناء الطائفة التي ننتمي إليها على الباطل لأن الذي يجابهه في المقلب الأخر من طائفة مغايرة و هو على الحق ما كان ليحدث لو لم نكن طائفيون. إن تأليه أولياء البين و وضعهم بقائمة المعصومين ما كان ليحدث لو لم نكن طائفيون. إن الوقوف وراء الاشخاص لا وراء الأفكار التي يتبنونها فإن داروا درنا معهم ما كان ليحدث لو لم نكن طائفيون. إن عدم الثبات على المبدأ و على الفكر ما كان ليحدث لو لم نكن طائفيون …. والكثير مما يشرخ أسس مجتمعاتنا ، الكثير الكثير ما كان ليحدث لو لم نكن مدمنون طائفية، فما الحل ؟
عطفاً على الدراسة وعلى طريقة العلاج ، وإنطلاقاً من الإدمان المستعصي الذي يضرب مجتمعاتنا فإن الحل أن نبدأ بالإعتراف : نعم أنا مدمن طائفية ، نعم نحن مدمنون طائفية. فليتجتمع الأصدقاء والأحباب وليبدأوا بالإعتراف ، فنحن مجتمعات طائفية، نعم نحن كذلك … فلنعترف ولنبدأ بعلاج أنفسنا ولنبدأ بعد الأيام التي لم نتناول فيه موضوعاً طائفياً أو حديثاً طائفياً أو فكرة طائفية ، عله بذلك نبني من جديد جسوراً من الأمل و الثقة و المحبة بين أجزاء المجتمع العربي المنحور على رمال الطائفية . نعم أنا مدمن ،و لي بضع ثواني لم أتكلم بالطائفية.