نصوص مختارة
مقتطفات من كتاب الإنسان المستلب وآفاق تحرره لـ إريك فروم – إعداد: أميرة السمني
مقتطفات من كتاب الإنسان المستلب وآفاق تحرره لـ إريك فروم – إعداد: أميرة السمني
“إن نماء النظام الاقتصادي العصري يقود إلى المزيد من الإنتاج ومن سلوك الاستهلاك. لقد أصبح الإنسان Ansammler ومستهلكاً، والمعاش الرئيسي في حياته أصبح أكثر فأكثر: أملك وأستعمل، وأنا موجود أقل فأقل.”
-
“إن عصبة التضامن الطبيعي تحل دون أن تعوض. فالإنسان العصري هو وحيد وخائف. إنه حر، لكنه يخاف من هذه الحرية. إنه يعيش، كما قال السوسيولوجي الفرنسي الكبير إميل دوركهايم، في انعدام المعايير Anomie، تتميز بالتمزق أو بالاستسلام، الذي لا يجعل منه فرداً، بل ذرة، لتفرده. فالذرة والفرد يعنيان نفس الشيء، أتت الكلمة الأولى من اليونانية وأتت الثانية من اللاتينية. والمعنى الذى أعطي لهاتين الكلمتين في لغتنا هو معنى متناقض. كان الإنسان العصري يتمنى أن يصبح فردًا، لكنه أصبح في الحقيقة ذرة خائفة، يقذف بها هنا وهناك.”
-
“إن معايير النظام الصناعي هي الحصيلة، التكميم والمحاسبة. والسؤال المطروح دائمًا هو: ما هو جدير بالعمل؟ ماذا يمكن أن يكون مربحًا؟ والتساؤل هكذا ضروري في الإنتاج الصناعي. لكن مبدأ المحاسبة والحصيلة في الربح طبقت في نفس الوقت على الإنسان، ومرت من الاقتصاد إلى الحياة البشرية. لقد أصبح الإنسان مقاولة، رأسماله هو حياته، ويظهر أن مهمته هو أن يحسن استثمار هذا الرأسمال. فإذا أحسن استثماره، فإنه يكون ناجحًا. وإذا لم يحسن استثمار حياته، فإنه سيرسب. وبهذه الطريقة فإنه سيصبح شيئاً. لكن لا يمكننا أن نغض النظر عن الحقيقة التالية: إذا أصبح الإنسان شيئاً، فإنه سيموت على الرغم من أنه حي فيزيولوجيًا. وإذا مات الإنسان نفسياً على الرغم من أنه يحيا جسديًا، فإنه يقاد إلى السقوط ويصبح خطيراً على نفسه وعلى الآخرين.”
-
“إن النقطة المحورية للمرض الذي يشكو منه الإنسان العصري هو الاغتراب.”
-
“لقد أعيد تكوين الإنسان العصري من طرف الأشياء التي صنعها.”
-
“ما وصلنا إليه اليوم هو: لقد مات الإنسان، لتحيى الأشياء. لقد مات الإنسان، ليحيى منتوجه.”
-
“ماذا يميز الإنسان عن الحيوان؟ إن هذا الفرق لا يتمثل في استقامة القامة، لأن ذلك قد وجد عند القردة قبل أن يتطور المخ. ليس ذلك استعمال أدوات العمل، لكن الأمر يتعلق بشيء جد جديد من نوع خاص: الوعي الذاتي للحيوان وعي كذلك، له وعي بالأشياء، يعرف ما هذا وما ذاك. لكن عندما خلق الإنسان كان له وعي آخر، يعنى وعيه بذاته: يعرف أنه يوجد، وأنه مخالف للآخرين، متميز عن الطبيعة وعن الناس الآخرين. إنه يعيش ذاته بذاته، إنه على وعي بأنه يفكر وبأنه يحس ويشعر. وعلى ما نعرف، فإن مثل هذه الأشياء غير موجودة في عالم الحيوان. وهذا هو بالضبط ما يجعل من الإنسان إنساناً.”
-
“ما طوره المجتمع الحالي، وما لم يكن موجوداً سابقاً، هو أن المرء لم يعد ينتج البضائع فقط، بل الحاجات أيضًا. ماذا نقصد بهذا؟ لقد كان للإنسان دائمًا حاجات: يريد أن يأكل ويشرب ويسكن في منازل جميلة الخ. لكن عندما ننظر اليوم من حولنا نلاحظ الأهمية الكبيرة التى أخذها الإشهار والتلفيف. وحاجات ورغبات الإنسان لم تعد تقريبًا تأتي منه بل خارجًا عنه. وحتى الذي ليس في حاجة إلى أي شيء، يشعر بأنه فقير أمام هذا الركام الهائل مما يعرض من المنتجات التي قد يكون في حاجة إليها.”
-
“يتأسس الاقتصاد الحالي على الإنتاج الأقصى وعلى الاستهلاك الأقصى … وعلى الرغم من أن أغلبية الناس في هذا النظام الاقتصادي يمتلكون أكثر مما هم في حاجة إليه، فإنهم يشعرون بأنهم فقراء، لأنهم لا يسايرون سرعة وكثافة البضائع المصنوعة. وهكذا يقوى الملل والغيرة والحقد وأخيراً الشعور الداخلي بالضعف وعدم القدرة والدونية. إن الإنسان يحس بنفسه فقط من خلال ما يمتلكه، وليس من خلال ماهيته.”
-
“الإنسان المعاصر هو في غالب الأحيان خامل في أوقات فراغه. إنه مستهلك أبدي: إنه يتناول: مشروبات، أكل، سجائر، مقروءات، زيارات، كتب، أفلام. كل شيء يستهلك، يبلع. والعالم حقل كبير لشهواته: قارورة كبيرة، تفاحة كبيرة، صدر كبير. إن الإنسان قد أصبح رضيعًا ينتظر على الدوام، ويخيب ظنه على الدوام.”
-
“السوق الاقتصادى قد تعدى بكثير الميدان التجارى للبضائع وللعمل. فقد تحول الإنسان نفسه إلى بضاعة، يعيش حياته كرأس مال يجب استثماره من أجل الربح. إذا نجح فى ذلك، ستكون حياته ناجحة، وإذا لم ينجح فى ذلك فإنه سيكون راسبا. تتأسس قيمته على امكانية بيعه، وليس على قيمته الإنسانية: العقل، الحب، أو على قيمته الفنية. فقيمة حياته الذاتية موقوفة على عوامل خارجية: نجاحه وحكم الآخرين عليه. ولهذا السبب فإنه تابع للآخرين، ولا يمكنه أن يحس بالثقة فى نفسه إلا إذا سلك سلوكاً لائقاً مع الآخرين، ولا يبعتد عن القطيع بأكثر من نصف متر.”
-
“ما هو نوع الإنسان الذي يحتاجه مجتمعنا لكي يعمل دون مشاكل؟ إنه في حاجة إلى أناس يكون بامكانهم التعاون في مجموعات كبيرة، يريدون الاستهلاك باستمرار ويكون ذوقهم مقنناً يمكن التنبؤ به والتأثير فيه. إنه في حاجة إلى أناس يشعرون بأنهم أحرار وغير تابعين، غير خاضعين لأية سلطة ولأية مبادئ ولأي ضمير، لكنهم يكونون على استعداد ليقادوا وليعملوا ما هو مطلوب منهم، ويندمجون دون مشاكل في الآلية المجتمعية. إنه في حاجة إلى أناس يمكن قيادتهم دون عنف ودون قائد، يمكن تحريكهم دون أن يكون لهم هدف بين أعينهم سوى الحركة، أن يعملوا ويتقدموا.”
-
“لقد نجح التصنيع الحديث في خلق مثل هذا الإنسان: الإنسان الآلي المغرب. وبهذا المعنى فإنه مغرب، بحيث إن سلوكه وقوته الخاصين قد أصبحا غريبين عنه. يقفان قبالته، وموجهان ضده. إنهما يتحكمان فيه، عوض أن يتحكم هو فيهما. تحولت قوته الخلاقة إلى الاشياء وإلى المؤسسات، التي أصبحت من جانبها بمثابة أوثان، لا تعاش كنتيجة للاجتهاد الخاص للإنسان، لكن كشيء مميز، يقترحه ثم يعيش تحت سيطرته.”
-
“إن الإنسان المغرب يركع أمام منتجات يده. وأصنامه هي التعبير الغريب عن قوته الحيوية. إن الإنسان لا يعيش ذاته كذاك الفاعل النشيط لقوته وغناه الخاصين، لكن كشيء مفقر، تابع لأشياء أخرى غير ذاته، لأنه يعكس ماهيته الحيوية على هذه الأشياء.”
-
“فى آخر المطاف، فإن الإنسان يظهر منبهرًا أمام الآلات التقنية في المجتمعات الأكثر تصنعًا، عوض أن يكون منبهرًا بالموجودات الحية والصيرورات الحيوية, بالنسبة للكثير من الرجال، فإن سيارة رياضية تكون أحسن من امرأة. فالاهتمام بالحياة وبما هو عضوي قد عوض بالإهتمام بما هو تقني وما هو غير عضوي. يشعر الإنسان بالزهو باكتشاف الصواريخ والسلاح النووي، أكثر من شعوره بالحزن عندما يكتشف أن هذا الإكتشاف خطر على الحياة.”
-
“إن المجتمع الصناعي الإنساني لا يستهدف أكبر ربح لقلة قليلة، كما أنه لا يستهدف أقصى استهلاك للأغلبية الكبيرة، بل لابد أن يكون هناك حل وسط لحياة إنسانية غنية. المهم في المجتمع الصناعي الإنساني هو أن يكون الإنسان، عوض أن يمتلك أكثر وأن يستهلك أكثر. من الضروري على هذا المجتمع أن يوفر الشروط للإنسان المنتج، وليس شروط الإنسان المستهلك أو الإنسان التقني.”
-
“بمجرد ما نولد تصبح الحياة بالنسبة لنا سؤالاً من اللازم أن نجيب عنه، وهو سؤال لا يمكن أن نجيب عنه عن طريق عقلنا ومخنا، بل عن طريق كل وجودنا الإنساني. وليس هناك إلا جوابان: إما أن نتقهقر أو نطور إنسانيتنا.”