هل سيخرج العرب من التاريخ قريباً ؟! – سامح عبد الله
تنظر الأمم لصفحات التاريخ بمفهوم مختلف ربما بقدر نظرتها للحاضر أيضا. هناك أمة تعد صفحات التاريخ أعظم وثيقة يمكن أن ترسم بها خارطة مستقبل واضح ومحدد. وهناك أخري تنظر للتاريخ علي أنه أكبر وثيقة للتآمر ثم تجعل منها أيضا خارطة طريق لكن لكي تبرر كل فشل في المستقبل.
هذه النظرة المتباينة لصفحات التاريخ هي ما تظهر نتائجها بوضوح اليوم. تعال معي نعود بالذاكرة إلي الخلف قرن واحد من الزمان ستجد أن أوربا قد دخلت حربين عالميتين أتت علي كل حضارة بها وكادت تندثر هذه القوي العظمى في العالم الحديث لولا أن أدركت هذه القارة بعد كل الدمار الذي نال منها أن البقاء سيبقى الكل وأن الفناء سيفنى الكل.
توصلت إلي إعمار كل أقطارها من انتصر ومن إنهزم عن طريق مشروع اقتصادي ضخم هو مشروع “مارشال” الذي كان بمثابة طوق النجاة لهذه القوي التى كادت أن تغرق بكل تاريخها. ومنذ هذه الفترة العصيبة تصالحت هذه القارة مع تاريخها ثم تصالحت فيما بينها وهذا ما حدث مع سائر الأمم التى دخلت فيما بينها في حروب طويلة فهكذا لم تعد تذكر أمريكا ماذا فعلت قوات البحرية اليابانية باسطولها في قاعدة بيل هاربر ولم تعد اليابان تذكر كيف أن أمريكا ردت بقتل ما يقرب من خمسين ألف في ناجازاكى وهيروشيما بعمل جنوني هو الأقبح في التاريخ.
ولم يعد الفايتناميون يذكرون ما فعلته أمريكا بهم ولم يتوقفوا عنده بل انطلقوا نحو المستقبل كقوي إقتصادية واعدة دون التعلل بماض دام كان يمكن ان يكون أعظم تبرير للفشل لكنهم لم يفعلوا ونجحوا. لم تعد كل من لندن وباريس تذكران حقبة طويلة من الحروب بينهما وقاما معا بإنشاء نفقا مائيا بينهما يربط الجزيرة البريطانية بمدينة النور وكأنه كناية علي التواصل وليس مجرد مشروع تختصر به المسافات.
لم تعد ألمانيا تذكر ماذا صنع بها السوفيث حتى أن برلين قد أضحت كوم من رماد الحرب التى أشعلت النيران في كل شيء ولم يبق بهذه المدينة غير سواعد النساء قامت فأبدلت الرماد إلي حضارة صناعية هائلة.
لم تعد تذكر باريس ماذا فعلت ألمانيا النازية بها وكيف أن هتلر ورفاقه قد أخذوا الصور التذكارية ومن ورائهم برج “إيفل ” في إشارة إلي أن قلب باريس أصبح في قبضتهم.
ولم تذكر دول أوربا كيف أن هتلر كان يحتلها في أقل من عشر ساعات وتجاوزت كل هذا وصنعت إتحادا فيما بينها.
هذه أمثلة بسيطة تبرز لنا كيف تنظر أمة لصفحات التاريخ. أنهم بلا يشك يتذكرون هذه الصفحات جيدا ويحترمون ذكري نضالهم إلي حد التقديس وعندما أقول مثلا أن اليابان قد تجاوزت حادث مأساوي مثل إلقاء قنبلة نووية فوق أبرياء لا أقصد أنها أسقطته من ذاكرتها لكن أقول أنها تجاوزت ذلك ولم تقف عنده وربما كان الرد بعد نصف قرن عندما غدت اليابان قوي إقتصادية عظمى تهدد اقتصاد البلد الذي جرب علماؤه اكتشافا علميا جديدا علي سكان عزل فنجح الاكتشاف نجاحا ساحقا وقتل الجميع..!
التجاوز إذن لا يعنى أن نسقط من ذاكرتنا صفحات كهذه من صفحات التاريخ، بل لا بد أن توضع أمام أجيال لم تشهدها لكى تكون نصب أعينهم وهم يسيرون إلي المستقبل.
لكننا نحن حتى الآن لم نفعل ذلك ولم نتجاوز ولم نتعلم الدرس ولم نقل لأنفسنا ماذا نريد حقا من التاريخ ثم ماذا نحن فاعلون من أجل المستقبل.
لم نتجاوز احتلال فرنسا للجزائر وهو احتلال بشع بكل معنى الكلمة ربما خلف أكبر عدد من الشهداء في تاريخ البشرية ومازال البعض يري فرنسا بأعين الاحتلال وكأن ذاكرته لا تصلح إلا أن تعود إلي الخلف.
لم يشفع وجود هذا الكم الهائل من الجزائريين علي أرض فرنسا في تعايش و اندماج ومشاركة في وطنية هذه الأرض وكذلك وجود ما يقرب من خمسة ملايين مسلم علي أرض فرنسا يتمتعون بحقوق المواطن لتجاوز هذه الحقبة الاستعمارية
ومازال البعض يري أن في حوادث باريس الإرهابية التى وقعت مؤخرا ما هي إلا مردود لما وقع منذ عقود من الزمان.
إنها ذات الذاكرة التى تتوقف فقط عند الماضى.
من حقنا أن نتذكر الشهداء بل هو واجب أيضا لكن أيضا من واجبنا أن نستمد منهم القوة التى تدفعنا إلي المستقبل بطاقة عظمي هي من طاقتهم الباقية الحية.
مانزال أسري للتقسيم الذي حدث منذ قرن من الزمان بينما نحن الآن نقيم خارطة تقسيم بأيدينا وقد وضعنا بين حدودنا ملايين نقاط التفتيش هى أبشع مما وقع في خارطة التقسيم نفسها.
مازلنا نذكر حقب الاستعمار وتصنع منها كل أسباب فشلنا وتخلفنا مع أنه لم يذكر أن دولة واحدة في أوروبا لم تقع تحت الإستعمار لكنها “الشماعة” الجاهزة دوما لأن نضع خيباتنا فوقها نقول للأجيال.. أنظروا تخلفنا يعود إلي هذه الاستعمار البغيض..أنظروا..
فشلنا الاقتصادي يعود إلي أن هؤلاء الأشرار سرقوا ثرواتنا وكأن ثرواتنا اليوم لا تسرق.
والغريب أن إفريقيا هذه القارة التى لاقت أشد أنواع الاستعمار قسوة تصالحت مع نفسها ومع من استعمرها وهذه هي جنوب أفريقيا وأثيوبيا وغانا وغينيا وأوغندا وغيرها في طريقها إلي نهضة حقيقية بمشاركة من احتلها واستغل ثرواتها يوم ما.
نصنع الطائفية بأيدينا ثم نقول الغرب.. نصنع التطرف بأيدينا ثم نقول الغرب.. نصنع التخلف بايدينا ثم نقول الغرب.. نصنع الجهل بأيدينا ثم نقول الغرب..!
وكأن الغرب لا شاغل عنده سوي نحن والتآمر علينا.
وشخصيا عندي استعداد أن أشاركك نظرية المؤامرة لكن دعنى أسألك أين أنت منها..؟!
لماذا تقع دائما تحت أسرها وبين فكييها كمضغة سهلة لا نصيب لها من الحياة سوي ان تكون هكذا.
لو أن أوربا لم تتجاوز صفحات تاريخها الدامية لكانت مائة حرب عالمية أخري قد نشبت.
لو أنا أفريقيا لم تنجاوز عصور الرق والعبودية والعنصرية ما نهضت اليوم وأضحت قوة إقتصادية جديدة تبرز للعالم خاصة في مجال المياه والكهرباء وما كانت الآن واحة رحبة يشهد بها ديمقراطية أضحت هي البديل الوحيد للحروب الأهلية والانقلابات العسكرية.
واليوم يخرج تقرير حرب العراق بعد سبع سنوات ليعلن للعام ويدون في صفحات التاريخ أن العراق كان خاليا من أسلحة الدمار الشامل وأن رئيسه لم يكن يتعاون مع تنظيم القاعدة وأن واشنطن ولندن أجرمت وأن بوش وبلير مجرمين حرب وبدلا من أن نجعل من هذا التقرير ورقة ضغط كما صنع اليهود منذ نصف قرن مع النازية نعزف اللحن المعتاد مع الكلمات الرتيبة.. وماذا يفيد.. وماذا سنصنع بعد كل ما حدث من دمار ولماذا الآن يخرج هذا التقرير.. هل هي مؤامرة جديدة علينا..؟!
مجرد تساؤلات كالمعتاد.. مجرد مخدر نتناول جرعاته بانتظام.
لكن دون خطوة واحدة تجاه المستقبل.
الأمة التى تتجاوز أزماتها وصفحات تاريخها الدامية وتمد يد المصالحة فإنها لا تتصالح مع الماضي فحسب بل تنطلق إلي المستقبل بلا هوادة وحتى نقطة نهضة حقيقية أما الأمة التى تظل أسيرة الماضي والشعور بالدونية ولا تجيد القيام إلا بدور المجنى عليه المضطهد والمتآمر عليه فإنها تبقي كذلك علي هامش صفحات التاريخ لا أحد يذكرها وربما تخرج كليا من التاريخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة