ولد المفكّر والمؤرّخ الجزائري محمد أركون يوم 1 فيفري 1928 بقرية تاوريرت ميمون بولاية تيزي وزو في منطقة القبائل الكبرى، بالجزائر في أسرة أمازيغيّة فقيرة. وهو ما حال دونه ومزاولة تعليمه بالجزائر العاصمة فقد اضطرّ إثر انتهاء تعليمه الابتدائي إلى الالتحاق بمعهد يشرف عليه الآباء البيض بولاية وهران (1941-1945) حيث تعرّف على القيم المسيحيّة وتمكّن من الاطلاع على الثقافة والأدب اللاتينيّين. أمّا دراسته الجامعيّة فكانت بدءًا بكلّية الآداب بجامعة الجزائر حيث درس الأدب والفلسفة والقانون، ثمّ التحق بجامعة السوربون بناءً على توصية من المستشرق لويس ماسينيون، وفيها حاز شهادة الدكتوراه في الفلسفة سنة 1969.
عمل أستاذا في عديد الجامعات العالمية مثل جامعة السوربون حيث درّس التاريخ الإسلامي (1961-1969)، وجامعة ليون (1970-1972)، جامعة برلين (1977-199)، وجامعة كاليفورنيا (1969)، وجامعة برنستون (1985)، وجامعة نيويورك (2001-2003). واعترافا بكفاءته وخبرته اختير عضوا في عدد من لجان تحكيم الجوائز الدوليّة وكذلك المجالس العلميّة فقد حظي بعضويّة مجلس إدارة معاهد الدراسات الإسلامية في لندن من سنة 1993 حتّى سنة وفاته 2010، وكان أيضا عضوا في اللجنة الدولية لجائزة اليونسكو لأصول تربية السلام لسنة 2002، وكذلك لجنة تحكيم الجائزة العربية الفرنسية لسنة 2002.. وترأّس لجنة تحكيم جائزة الشارقة الثقافية لسنة 2010.
وتولّى الإدارة العلميّة لمجلة “أرابيكا” منذ سنة1979حتّى سنة 2008، واختير مستشارا علميا لمكتبة الكونغرس بواشنطن ما بين سنتي 2000 و2003.
ويعدّ محمد أركون من أبرز المفكّرين الذين اهتمّوا بنقد العقل الديني انطلاقا من النصوص الدينيّة وأصول الفقه في علاقة بالظروف التاريخيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والعقائديّة، متبنيا في ذلك مقاربات منهجية حديثة مثل الأنثروبولوجيا التاريخيّة، وقد سعى إلى تأسيس ما يعرف بـ”الإسلاميات التطبيقيّة”. من هنا كان اهتمامه بالمفاهيم وتاريخيتها مثل الدين والدولة والوحي والحرام والحلال والمقدس والعقل والمعرفة واللغة.. فقد عمل على “تطويع ترسانة من المفاهيم النقديّة الحديثة لدراسة الظاهرة الدينيّة الإسلاميّة” (حمزة، 2007، ص 90)، ويعدّ هذا مركزيّا بالنسبة إليه في سياق دعوته إلى الانخراط الفاعل والمسؤول والواعي في حداثة فكريّة حقيقيّة إذ “لا حداثة بما تعنيه من “بثّ الحيويّة في التاريخ” من دون تفكيك للمفاهيم المركزيّة التي تسيطر على سبيل التفكير لدى المسلمين” (حمزة، 2007، ص 85).
وتجلّت مواقفه من خلال كتاباته المختلفة التي كتبت في قسم كبير منها بالفرنسية وترجمت إلى العربيّة، ومنها نذكر: “الفكر العربي”، “الإسلام بين الأمس والغد”، “تاريخية الفكر العربي الإسلامي”، “الفكر الإسلامي قراءة علمية”، “الإسلام، الأخلاق والسياسة”، “الفكر الإسلامي نقد واجتهاد”، و”الفكر الأصولي واستحالة التأصيل”، “نزعة الأنسنة في الفكر العربي”، “من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي” و”معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية”، “قضايا في نقد العقد الديني”، و”العلمنة والدين”… فضلا عن مقالات ومحاضرات عدّة ومشاركات في ملتقيات وندوات علمية دوليّة.
حصل على مجموعة من الجوائز والأوسمة من قبيل جائزة ليفي ديلا لدراسات الشرق الأوسط كاليفورنيا في 10 ماي 2002، وجائزة ابن رشد للفكر الحر برلين في ديسمبر 2003، ودكتوراه فخرية من جامعة أكسيتر 18 أفريل 2008، وجائزة الدوحة عاصمة الثقافة العربية فيفري 2010.
توفي محمد أركون يوم 15 سبتمبر 2010 ودفن بمقبرة الشهداء في العاصمة المغربية الرباط احتراما لوصيته وتنفيذا لما جاء فيها.
انظر:
– حمزة، محمّد. (2007). إسلام المجددين. (ط.1). بيروت، لبنان: دار الطليعة للطباعة والنشر- رابطة العقلانيّين العرب.