مفاهيم وشخصيات

ماذا تعرف عن مدرسة فرانكفورت ؟

ماذا تعرف عن مدرسة فرانكفورت ؟ – عبير الأطرش

مدرسة فرانكفورت Francfort مدرسة فلسفية ذات نزعة نقدية، تأسست في الثلاثينات في القرن العشرين، وبلغت ذروتها عام 1968، وسميت بهذا الاسم لاتخاذ معهد الأبحاث الاجتماعية في فرانكفورت مركزاً لها. تزعّم هذه المدرسة «ماكس هوركهايمر»Max Horkheimer  ما بين (1895-1973)، وتمّ تحت إشرافه إصدار مجـلة «الدراسـات الاجتماعيـة» الناطقة باسم هـذه المدرسة عـام 1932. ومن أهـم ممثلي هـذه المدرسـة تيودور فون أدورنو Theodor W. Adorno  ما بين (1903-1969) وهربرت ماركوزهHerbert Marcuse ما بين (1898-1979).

وبسبب ملاحقة النظام النازي لهم اضطروا إلى اللجوء إلى الولايات المتحدة، حيث طور كل منهم وبطرق مختلفة تحليلاً نقدياً للمجتمع وبالاستناد خاصة إلى ماركسK.Marx. وتميز ممثلو مدرسة فرانكفورت برفضهم القاطع الوضع القائم، وبرفضهم الحلول والأنظمة النسقية، ولهذه الأسباب جاءت كتاباتهم معظم الأحيان محاولات ومقالات وكتابات حكمية، وقد نشر تيودر أدرنو بالاشتراك مع هوركهايمر كتاباً بعنوان «جدلية التنوير» Dialektik der Aufklarung، وهو من أهم المراجع التي أنتجتها مدرسة فرانكفورت.

أما هربرت ماركوزه فقد نشر كتابين هما «الجنس والحضارة» Eros and Civilizationو«الإنسان ذو البعد الواحد» One -Dimensional Man. ونشر يورغن هابرماس Jürgen Habermas آخر ممثل لمدرسة فرانكفورت، وينتمي إلى الجيل الثاني الذي تلا أدرنو وهوركهايمر وماركوزه، كتابه «العقل والحفاظ على الذات» Vernunft und Selbsterhaltung عام (1968)، محاولاً تأسيس نظرية اجتماعية نقدية، إضافة إلى هؤلاء برز عالم النفس أريك فروم Erich Fromm.

لجأت مدرسة فرانكفورت إلى المنهجية التي تقول بتعدد فروع العلم والمعرفة، والبحث عن معايير جديدة، والنقد الجذري من أجل تشكيل عقلاني للمجتمع؛ لهذا طرحت المدرسة قضايا عدة، أهمها النظر إلى الفلسفة الكلاسيكية – فلسفة كَنت (أو كانط) Kantوهيغل Hegel – غير أنها أصبحت تقليدية ومثالية ولم تعد قادرة على تحليل المجتمعاتالرأسمالية الحديثة ومواجهة التحديات المطروحة على المجتمعات الأوربية والغربية؛ لذلك لابد أن تحل العلوم الاجتماعية محل الفلسفة، فدعا هابرماس إلى جعل الفلسفة أكثر علمية ودقة، وأن تتخلص من طابعها التجريدي الذي يشبه الألغاز، وأن تقترب من العلوم الإنسانية والاجتماعية كعلم الأنثروبولوجيا وعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس والتحليل النفسي، وبهذا تريد المدرسة الفرانكفورتية إنزال الفلسفة من برجها العاجي إلى خضم الحياة الواقعية والهموم السياسية للبشر والمجتمع.

وهذا ما دعا فلاسفة فرانكفورت إلى اتخاذ اتجاه يساري أو ماركسي، ونقد مجتمعات الغرب الرأسمالية، وعدوا العقل والعقلانية من الأمور الأداتية المحضة، وبيّن هابرماس خطورة الدعوات التي تنادي بتجاوز الفلسفة والعقلانية التنويرية بحجة أنها أوصلت أوربا إلى الفاشية والنازية، وأن ما ينبغي تجاوزه ليس الفلسفة بحد ذاتها وإنما ذلك التعارض القائم بين الفلسفة والعلم.

لذلك دان هربرت ماركوزه الفلسفة الوضعية والتحليلية المهيمنة على العالم، ودعا إلى ثورة فكرية في الغرب تنتقل به من التصور القمعي والتقني للعقل إلى التصور التحريري والإنساني؛ لأن العقلانية الغربية اختزلت الإنسان إلى مجرد بعد واحد وحذفت بعده الآخر، وهنا تكمن مأساة الغرب وأزمته الحضارية.

وعلى صعيد علم الاجتماع، وضع ممثلو هذه المدرسة نظرية سميت «نظرية المجتمع النقدية أو نظرية نقد الأيديولوجيا» انتقدوا فيها الظواهر الاجتماعية في المجتمع الرأسمالي، مثل المؤسسات الاجتماعية والحق والأخلاق والفن والفرد، وقد ظهر هذا النقد في مقالتي هوركهايمر «المادية والميتافيزيقا» Der Materialism und die Metaphysikو«النظرية التقليدية والنقدية» Die Traditionelle und die Kritische Theorie.

وقف الفرانكفورتيون موقفاً وسطاً بين الرأسمالية والاشتراكية في نظريتهم الاجتماعية، لزعمهم أن كلا النظامين صورتان مختلفتان من مجتمع العقل الأداتي الذي يُغرب كل ما هو إنساني.

فانتقد هوركهايمر وأدرنو المجتمع البرجوازي المعاصر، وأعلنا أن العقلانية تتسم بنزعة علمية إلى إفناء الذات، فالإنسان مُسيْطر عليه في المجتمع البرجوازي، وتلك هي آثار الحضارة الإنسانية والتقدم الاجتماعي، وما أدت إليه الاشتراكية. وطور هذه الأفكار فيما بعد ماركوزه إذ يرى أن الفن وأي نشاط خلاق إبداعي، والحب والمبدأ الذي يوحد بينهما (الإروس Eros)، إنما توجد خارج الطبقات الاجتماعية، إذ تعبر عن ماهية بيولوجية أصيلة للإنسان سابقة على المجتمع ومتقدمة عليه، وإشباع الغريزة الجنسية مصدر الحضارة وهدف الوجود البشري، ويعلن ماركوزه أن المجتمع الصناعي مجتمع ذو بعد واحد، أي إن كل الطبقات فيه متشابهة؛ لذا فليس لأي طبقة منها أن تكون ثورية، فهو يرى أن الطبقة العاملة قد تكاملت في الرأسمالية بصورة وطيدة ونهائية، أما القوة المهيأة للقيام بالثورة في المجتمع الصناعي فتتمثل في الفئات الخارجة عن طبقات المجتمع، المنسلخة عنها، يساعدها على ذلك الطلبة والمثقفون، فالمثقف لا ينبغي أن يبقى في برجه العاجي وإنما عليه أن ينزل إلى خضم الواقع ومشكلاته.

المصدر: الموسوعة العربية

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى