لماذا ستستمر ظاهرة الإرهاب الإسلامي .. وماذا يمكننا فعله بشأنها ؟ – أحمد فتحي سليمان
شهد عام 2016 تضخماً مخيفاً في حجم ونوعية الأعمال الإرهابية (مع الخلاف حول تحديد ماهية العمل الإرهابي ) التي رصدت بعض الإحصائيات وقوع أكثر من 1800 عملية منها حول العالم خلفت قرابة 16000 حالة وفاة وكان نصيب الأسد في هذه العمليات مزيلاً بتوقيع تنظيمات أسلامية أو أفراد يعتنقون أفكارها.
فهل سنشهد نهاية هذه الظاهرة قريباً ؟
لا أظن واليك أسباب قناعتي..
المشروع السياسي.
الأعمال الإرهابية هي في التحليل النهائي ظاهرة عنف سياسي ترتكب في سبيل تحقيق مكاسب للمشروع السياسي لمرتكبيها ومخططيها وليست مجرد جرائم كراهية عشوائية تحركها المشاعر العدائية تجاه المخالفين في العقائد فحسب , بل يبلور المشروع السياسي هذه المشاعر السلبية و ينفخ في نارها ويحولها لعمل منظم في سبيل استغلالها لصالحه .
وبالنظر إلى مسارات وسلوكيات الكيانات الإرهابية في العالم نجد ارتباطها لا ينفك عن مشاريعها السياسية فالمنظمات الإرهابية اليهودية اختفت بقيام الدولة اليهودية بعدما أستخدمها الصهيونية في أقامة تلك الدولة ثم فككت و ضم أعضائها لمؤسسات الدولة الأمنية و الأستخباراتية والجيش , و المنظمات الإرهابية اليسارية شهدت تراجعاً كبيرا بنهاية الحرب الباردة و التقارب السوفيتي الأميركي ثم كادت أن تختفي تماماً بسقوط الاتحاد السوفيتي و تراجع الايدولوجيا اليسارية عموماً , وكذالك الحال في كافة التنظيمات الإرهابية ذات المرجعية الدينية أو الأيدلوجية أو العرقية .
أما المشاريع السياسية للإسلاميين على تنوع مشاربهم فأن كانت تدور في فلك أقامة الدولة الإسلامية بتصورات متباينة حسب التنظيمات فلم تزل قائمة تعزز وجودها إخفاقات نماذج الدول الوطنية العربية في إقامة مجتمعات متجانسة تعلو فيها قيم المواطنة و العيش المشترك و سيادة القانون فتبقي المشاريع الإسلامية (الغامضة) في تحقيق نموذج دولة ثيوقراطية مغايرة جذرياً للنسق الغربية تلقي رواجاً وتمثل حجر الأساس في البنية التبريرية للعنف السياسي كوسيلة للوصول لهذا الهدف وجزء من الحرب الثورية التي لابد أن يكون لها ككل حرب الكثير من الضحايا.
وربما هذا ما يفسر أن الغرب أكثر تقبلاً للميليشيات الشيعية فلا يستهدفها رغم ارتكابها مالا يحصى من الجرائم ضد الإنسانية لان من يحكمها مرجعية سياسية ودينية مشتركة قابلة للتفاوض وتسيطر عليها تماماً ومدمجة داخل دولة حديثة (إيران) لا تخرج عن الإطار العام للدولة بحسب النسق الحضاري الغربي وفي مواقف عديدة كان التواصل مع طهران كافياً لإحداث تغيير كبير في مجريات الأمور بسوريا أو العراق أو لبنان أو اليمن وحتى البحرين .
ولكن التنظيمات الإسلامية غير الشيعية لا توجد لها مرجعية واحدة ولا تسيطر عليها قيادة سياسية قابلة للتفاوض بل هي في تشرذمها مصدر رعب لا يجد الغرب سبيلا لمواجهته إلا بالقصف أو توكيل عملاء محليين للقضاء عليها وكلا الطريقتين أثبتا فشلهما , والواقع أمام أعيننا أن الغالبية العظمى من المسلمين يدينون التنظيمات المتطرفة بصدق ولكن أن كان التنظيم أقل توحشاً لكان جذب تضامن المسلم العادي الذي لا يمانع في قيام دولة دينية بديلا عن الدولة الوطنية التي ورغم كل الأغنيات لم تكون البوتقة التي تحتوي كافة مواطنيها على خلاف عقائدهم و أعراقهم كما يراد بها أن تكون .
الثقافة الغالبة.
في عام 1454 منح البابا نيكولاس الخامس تفويضا لملك البرتغال بممارسة العبودية مادام يبشر الزنوج و بعد سنتين صدر قرار بابوي من البابا كاليكستو الثالث يعتبر الاستيلاء على إفريقيا حربا صليبية للمسيحية .
في عام 1839 شكل الكاهن بالكنيسة الانجليكانية توماس كلاركسون جمعية مناهضة الرق ببريطانيا التي تمكنت من خلال الدعاوي القضائية و الضغط على الحكومات من تجريم الرق في انجلترا و مستعمراتها ثم العالم بأسره تدريجياً .
لا توجد هنا مفارقة ..
عندما تكون هناك ثقافة سائدة في مجتمع ما فمن الطبيعي أن يحاول أصحاب الآراء المتباينة نسبتها إليها لتلقي قبولاً في هذا المجتمع من ناحية وحتى لا تصادم قناعتهم الشخصية من ناحية أخري , فنجد كافة الأفكار و كأنها منبثقة من هذه الثقافة و متأصلة بها حتى وان كانت متناقضة.
وبناء عليه فالمسلم ذو الشخصية الراديكالية لن يذهب بعيداً في بحثه عن توجه سياسي يلائم طبيعة شخصية المتطرفة بل سيجد في ثقافة مجتمعة السائدة (الإسلامية) ما يناسبه سواء رفع راية التجديد أو راية الأصولية وسواء أسمي نفسه حداثي أو سلفي.
مفهوم الأمة الواحدة
في أحاديث العديد من أعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة نجد قاسم مشترك إن ما أيقظهم من الغفلة و دفعهم للبحث عن سبيل لنصرة الدين هو ما شاهدوه من اضطهاد للمسلمين وبطش بهم في كافة أرجاء العالم..
وفي ظل حقيقة أن الأخوة بين المسلمين بغض النظر عن أجناسهم و أعراقهم هي من أصول الدين الإسلامي وركائزه والواقع أن اضطهاد المسلمين يبدوا متعمداً أكثر منه مصادفة أو توهمات (فمثلاً في العام 2016 وحده قامت الطائرات الأمريكية بأكثر من 26 ألف غارة جوية على سبع دول جميعها دول مسلمة ! ) يبدو أن هناك مبرر قوي للغضب مشعلاً للرغبة في الانتقام للأخوة ونصرة الدين عند العديد من المسلمين في كافة أنحاء العالم, وهو غضب ذو أساس أخلاقي قوي و عادل .
فماذا يمكننا فعلة إذا ؟
كأفراد يجب علينا أولاً التوقف عن سخافات اتخاذ المواقف الدفاعية, أنا لست مسئولا عن اختيارات غيري و سلوكياته لمجرد اشتراكه معي في عقيدة أو وطن ولست مكلفاً بالاعتذار عن أفعال غيري ولكن..
أن كنا نرفض هذا الواقع و تلك الظواهر ونصبوا إلى التغيير فعلينا أن نخرج من حالة التكلس العقلي التي تقصر ردود فعلنا على الهستريا الانفعالية قصيرة الأمد وننتقل إلى حالة عقلية ايجابية نحلل فيها الظواهر و نحدد مواقفنا بإزائها بوضوح ونطرح الأسئلة الجادة حولها و نبحث عن إجاباتها دون إضاعة الوقت وتشتيت الانتباه بترديد كليشيهات وشعارات معلبة .
أسئلة علي غرار : كيف يمكن أيجاد المؤسسة الدينية الإسلامية التي لا تخضع لسلطة الدول ولا سطوة الجماعات و يكون لها الثقل الأدبي الكافي للتصدي للأفكار المتطرفة بحق ويكون لها القدرة على قيادة المجتمعات الإسلامية لتحقيق ثورة في الثقافة الإسلامية تردم الهوة الحضارية بين مرحلتي ما قبل الدولة الحديثة و ما بعد الاستعمار التي فقدت فيها الثقافة الإسلامية قدرتها لا على التغيير بل حتى على ملاحقة التطور في البني الاجتماعية والسياسية , هل يمكن وضع تصور سياسي لدولة حديثة ذات أغلبية من المسلمين تجمع بين احترام العقيدة الإسلامية و ضمان الحقوق والحريات في أطار المواطنة ؟ و كيف يمكن طرح آليات فعالة للتغيير السياسي و الاجتماعي والثقافي بعيداً عن العنف و العمل السري في ظل تعنت سلطوي من أنظمة ديكتاتورية لا تتورع عن أثارة الفتن و النعرات الطائفية لتستمر قابضة على مقاليد الأمور وتبقي على رأس التل و أن كان خراباً ؟ وكيف يمكن أن نتصدى لمحاولات محق الهوية الإسلامية ومحاولات العلمنة القسرية التي لن تأتي إلا بردود فعل أكثر راديكالية وعنفاً دون الوقوع في فخ الطائفية ؟
الأسئلة متعددة ومتشعبة و لا تخلو من الصعوبة ولكن طرحها ضروري و إجاباتها تحمل في طياتها طريق الخلاص .
ـــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة