5 علامات تشير إلى وقوعكم في حب معالجكم النفسي – بقلم: ستيفاني غانم
“من الجلسة العلاجية الأولى شعرت باندفاع تجاهه. وجلسة بعد أخرى، تحول الإعجاب إلى حب. في كل مرة أجلس أمامه، أحبس أنفاسي، وأتعرّق من التردد. أنتظر جلستنا الأسبوعية بفارغ الصبر. حملت إليه وجعي وإحباطي، بعد أن سقطت أمامي كل الخيارات، وما عادت تجدي المهدئات نفعاً، ولا ثرثرات الأهل والأصدقاء”.
“هو حنون. متفهم. أتيت إليه فاقدة الأمل بالحياة، بعد أن هجرني زوجي من أجل أخرى. لكن المعالج النفسي أعاد إلي الثقة بنفسي”، تقول راغدة.
“أظن أنه يعرف، لكنه يتجاهل الأمر. ربما اعتاد أن تحبه النساء اللواتي يعالجهن. أعرف أنها علاقة مستحيلة، لكن ما حصل قد حصل، ولم أعد أتخايل أسابيعي من دون أن أجلس إلى جانبه، وأحدثه. كيف أخرج من تلك الدائرة التي وجدت نفسي فيها؟ ماذا لو بحت بمشاعري له؟”، تسأل نفسها.
حب أم “تحويل” للمشاعر؟
“التحليل النفسي هو في الأصل علاج المريض من خلال الحب”، قالها أبو التحليل النفسي فرويد قبل سنين طويلة. لكنه لم يقصد بذلك الحب بالمعنى المتعارف عليه، أي العلاقة الغرامية. لذلك وضع ضوابط مهنيّة شديدة وواضحة لتفادي وقوع المعالج النفسي في حب المريض.
رغم ذلك، لم تزل تلك القصص مادّة مثيرة لمخرجي وكتّاب هوليوود، الذين تحدثوا في أفلامهم عن معالجين نفسيين كسروا القاعدة وتورطوا في علاقات غرامية مع المريضات. مثل علاقة نيك نولتي والمعالجة النفسية باربارا سترايسند في فيلم “The prince of tides”، أو حب إنغريد بيرغمان لمريضها غريغوري بيك في فيلم”Spellbound” لألفريد هيتشكوك.
أن يقع المريض في حب معالجه النفسي هو حدث غريب في نظر المجتمع، والحديث عنه يبقى غير مستحب. لذلك يقف المريض مكبلاً أمام تلك المشاعر، غير قادر على البوح بها أو تجاهلها. فإما أن تُغرقه، ويخاف منها ويقاطع العلاج، وإما أن يبقى ويسكت عنها فتكبر مشاعره إلى حد فقدان السيطرة عليها.
في مقال نشره موقع Psychology Today بعنوان “عندما تولد علاقة حب بين المريض والمعالج النفسي”، شدد الكاتب Sean Grover على دور المعالج في تلك المرحلة الدقيقة من العلاج، ومدى فهمه لمشاعر مريضه.
فالميزات التي يتمتع بها، من إصغاء وتقبل وتعاطف، يمكن أن تشكّل تعويضاً كبيراً للمريض عن علاقة سيئة عاشها مع أب أو أم أو شريك أو صديق، فيحوّل مشاعره إلى المعالج النفسي، وهو ما يسميه علم النفس، تقنيّة التحويل (Transference). أي إحياء مشاعر مكبوتة من الماضي لم تصل إلى الإشباع، ونقلها إلى المعالج النفسي.
تقع على المعالج النفسي مسؤولية عدم التورط في تلك المشاعر والمحافظة على الحيادية وإدارتها، بما يساعد المريض على إدراك أساس تلك المشاعر، دون صدّه بطريقة عنيفة. وبالتالي، مساعدته على السيطرة عليها والتحكم بها بطريقة أفضل. فيتعلم كيف يملأ ذلك الفراغ العاطفي بطرق صحيّة ومفيدة.
يعتبر Grover أن تلك العلاقة الناشئة، تشكل تطوّراً مهماً في مسار العلاج، لأنها فرصة للمعالج النفسي ليسلط الضوء على تلك المشاعر. هي مرحلة ستساعد المريض على الغوص في عمق المشكلة التي يعيشها، ومنها سيعبّر عن ذلك الوجع ليصبح مسيطراً عليه ويتخطاه في ما بعد، لانتقاء علاقة تؤمّن له ما يستحق، فلا يشعر بالظلم فيها.
ماذا لو تجاوب المعالج النفسي مع تلك المشاعر؟
يحدث أن يُعجب المعالج النفسي بمريضه، ويحدث أيضاً أن يوقظ المريض مشاعر نائمة لدى معالجه النفسي، وأن يورّطه في علاقة جنسية أو عاطفية، تماماً كما تورط المعالج النفسي الشهير كارل يونغ بعلاقة مع مريضته وإحدى رائدات التحليل النفسي، سابينا سبيلرين.
في مقال “اعترافات معالج نفسي” تحدّث المعالج الذي حرص على إبقاء هويته مجهولة، عن إعجابه العميق بإحدى مريضاته، والصراع الذي عاشه خلال فترة العلاج، ورغبته الجامحة بإقامة علاقة جنسية معها. وحدث ذلك فعلاً فعرّض حياته الشخصية والعائلية لمشاكل كثيرة.
ليس الأمر خارجاً عن القانون فحسب، بل يُعرض الطرفين لخسارة جسيمة. فالمعالج معرّض لخطر خسارة مهنته، إذا كُشف أمره، والمريض معرض للإصابة بكآبة شديدة نتيجة تلك العلاقة. لذلك من المهم أن يكون للمعالج مشرفٌ، يعود إليه إذا تولدت لديه مشاعر تعلّق أو انجذاب من أي نوع، ليعرف كيف يضع لها حدوداً، من دون أن يتسبب بضرر نفسي للمريض. ومن المهم أيضاً أن لا يكبت مشاعره، وأن يتحدث عنها أمام مشرفه لإيجاد الحل المناسب.
قد يحوّل المعالج مريضه إلى معالج نفسي آخر، أو بإمكانه أن يستمر بالعلاج بعد تمكنه من السيطرة على مشاعره وممارسة دوره كمعالج.
كيف تعرفون أنكم وقعتم في حبه/ها؟
لا تقتصر العلاقة بين المعالج والمريض على الساعة التي يمضيانها معاً داخل العيادة مرّة أسبوعياً، بل إن أبعاد التواصل تستمر، حتى بعد انتهاء الجلسة. يشعر المريض بالامتنان لوجود شخص يصغي إليه، ويقبله كما هو، في ظلّ عدم تقبّل المجتمع لأي اختلاف فيه.
في مقال للأستاذ في طب النفس Gary W. Small، تحدث عن أشخاص لم تقتصر مشاعرهم على الحب والتعلق، بل ذهبت إلى الرغبة الواضحة والجارفة في إقامة علاقة جنسية مع المعالج النفسي. ومنهم من عبّر عن تلك الرغبة من خلال تصرفات معيّنة أثناء الجلسات.
ترسلون صوركم لمعالجكم النفسي، أو تتصلون به في أوقات معيّنة؟ تشعرون بالحاجة إلى التواصل اليومي معه، ولا تلتزمون بالوقت المخصص للجلسة العلاجية؟ ذلك يعني أن صورة المعالج في ذهنكم تحولت إلى أكثر من ذلك. يأتي دور المعالج هنا بوضع إطار واضح للعلاقة العلاجية.
تأتي بعض النساء إلى الجلسات كأنهن ذاهبات إلى سهرة مثيرة، وبعض الرجال يبرزون شخصية الدون جوان. ذلك يدل من دون شك على نية توريط المعالج في علاقة غرامية، أو على الأقل على اكتشاف مشاعر جديدة نحوه.
قد يأتي البعض أيضاً إلى الجلسات محملين بالعطور والورد، وهذا دليل آخر على أن المريض يشعر بالحاجة إلى التعبير عن مشاعر أبعد من مجرد علاقة عمليّة.
تتغزلون به وبذكائه عوضاً أن تتحدثوا عن أنفسكم ومشكلتكم؟ تشكرونه كثيراً على إصغائه وتكررون له امتنانكم على التغيير الجذري الذي حدث في حياتكم خلال فترة العلاج؟ هذا دليل أنكم ترونه بغير صورته الحقيقية. ربما يكون حبيب هجركم أو صديق لم يساعدكم أو أمّ لم تحتضنكم… انتبهوا، أنتم تدفعون مالكم وجهدكم لتتغيّروا، وأنتم المسؤولون عن تورّطكم في العلاقة.
تصرّون على دعوته للعشاء أو تشترون له بطاقة لمشاهدة فيلمكم المفضل؟ تهددونه بمقاطعة الجلسات إن لم يأت؟ أو أن تلجأوا إلى إيذاء نفسكم إن لم يتجاوب معكم؟ تصرفات كثيرة يمكن أن يلجأ إليها المريض لكسب حب معالجه النفسي، غالباً لا تفلح. وإن فلحت، فقد ينتهي العلاج.
تكثر دقات قلبكم حين تجلسون قربه؟ تحاولون أن تسألوه عن أمور شخصية لعلكم تتقربون منه؟ أو تنتظرون جلستكم معه بفارغ الصبر وتكبتون تلك المشاعر أمامه، لأنكم تعرفون أن ذلك لا يجوز؟ ذلك الشعور الصامت الذي يخلق التساؤلات والانتظار والأمل أن يبادلكم المشاعر نفسها… انتظار لن يؤلم أحداً إلا أنتم.
ما العمل إذاً؟
من الطبيعي أن تخيفكم تلك المشاعر، وأن تتوقفوا عن الذهاب إلى الجلسات أو أن تشعروا بالخيبة والقلق. لكن اطمئنوا، لستم وحدكم. كثيرون اختبروا ويختبرون تلك التجارب بصمت. بينما يشدد كل المعالجين النفسيين على ضرورة البوح بتلك المشاعر للمعالج النفسي.
قولوا له: “أشعر أن مشاعري تجاهك بدأت تتطور، فلنتحدث عن ذلك”. دور المعالج النفسي يبدأ باستيعاب تلك المشاعر، وعدم مجابهتها بالصدّ أو التجاهل أو حتى الفرح. التركيز على تلك المشاعر وجذورها، سيساعد الشخص في فهم مشكلته العاطفية، وربطها بالأحداث التي تطرأ على حياته حالياً كما حاجته إلى تلك المشاعر الآن. إذاً، فإن الحل الأمثل لتخطي تلك المشاعر واستغلالها للسير قدماً في العلاج، هو التواصل الكلامي الواضح بين المريض والمعالج.