علوم وتكنولوجيا

ماذا تعرف عن مرض الشيزوفرينيا ؟ (الجزء الأول)

ماذا تعرف عن مرض الشيزوفرينيا ؟ (الجزء الأول) – إعداد وتقديم: ريما رباح

«تخيّل لو أنك علمت بغتةً أن الناس والأماكن واللحظات الأهم في حياتك لم تنته ولم تمت، بل أسوأ من ذلك؛ هي لم تحدث أبدًا! أيّ نوع من الجحيم هو ذاك!» دكتور روسن، 2001م، من فيلم عقل جميل (Beautiful mind).
فيلم عقل جميل، نقلًا عن ويكيبيديا، هو فيلم أمريكي، بطولة راسل كراو عن حياة جون فوربس ناش الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، خريج جامعة برنستون العريقة. ناش هو عالم عبقري في الرياضيات كان مُصابًا بالشيزوفرينيا.
الشيزوفرينيا، المعروف باسم الفصام، هو مصطلح صاغه الطبيب السويسري بلولير(Bleuler) عام 1911م لتوضيح التفكك والانقسام في أداء العقل الوظيفي. حل المصطلح بدل المصطلح الشائع «الخرف المبكر/المبتسر» أو (Dementia Praecox). حينذاك، كان يتم استخدام المصطلحين بشكل تبادلي، ولم يكن العلماء والأطباء قد اكتشفوا الفروقات بينهما بعد. مثلًا كانوا يرجحون نسبة الشفاء في الشيزوفرينيا عن مثيلتها في الخرف المبتسر وهو عكس المعلوم حاليًا!
في هذا المقال سنبحر في مفهوم وأعراض وعلاجات الفصام، ونكمل الرحلة بتتبع باقي المحطات في مقال تالٍ عن عوامل الخطر وبعض الخرافات عن الفصام وخلط الجمهور بين الفصام ومرض آخر شبيه جدًا في رواية الدكتور جيكل والسيد هايد.

ما هو الفصام؟

هو اضطراب عقلي مزمن وحاد، يمتاز عن غيره من الأمراض بوجود خلل في الإدراك الوظيفي، يتلازم مع أعراض الهلوسة والأوهام، ويؤثر على كيفية التفكير والمشاعر والسلوك عند الشخص المصاب. يُقدِم مريض الفصام على تصرفات غير طبيعية بالنسبة لمجتمعه ويظهر منفصلًا عن الواقع أحيانًا، كما وتؤثر الإعاقة الإدراكية سلبًا على قدرته في الاحتفاظ بعمله وبالحياة الطبيعية، وقد تتسبب في ضغوط عاطفية شديدة.

العلامات والأعراض

الفصام لا يعد من الأمراض العقلية الشائعة إلا أن أعراضه قد تكون معيقة جدًا للمصاب. حاليًا يمتد العلاج مدى الحياة ويتضمن الأدوية الذهانية والعلاجات النفسية.
تظهر أعراض الفصام -عادة- في فترة الشباب، الفترة العمرية الممتدة بين 16-30 عامًا، وتم رصد حالات نادرة عند الأطفال. وبالرغم من ضرورة تواجد الأعراض لمدة زمنية لا تقل عن شهر واحد، إلا أنه يتوجب أيضًا تحقق استمرارية تلازم مظاهر الاضطراب لمدة لا تقل عن ستة شهور. في هذه الحقبة قد تتخذ علامات الاضطراب منحنى أقل شدة، فيقتصر الأمر مثلًا على بعض الاعتقادات الشاذة أو التجارب الإدراكية الغريبة. خلال الشهور الستة يتعين تواجد اثنين من المعايير على الأقل أو توافر معايير الأعراض السلبية فقط، فيم لو كان الاضطراب في الصورة الأخف.
من المشاهد أنه رغم التساوي في نسبة الإصابة بين النساء والرجال، إلا أن المرض يصيب الرجال أولًا ويتطور إلى الأسوأ، ومن أهم أعراضه الهلوسات والأوهام.

الهلوسات والأوهام

1-الهلوسات: هي الإدراك الحسّي دون وجود مؤثر خارجي، فيكون استدعاء الإحساس مرتبطًا بذهن الإنسان وليس ناتجًا عن الواقع. توجد أشكال مختلفة من الهلوسات مرتبطة بالحواس (سمعيّة، بصريّة، شميّة، ذوقيّة). الفئة السمعية هي الأكثر شيوعًا، وتكون الأشكال الأخرى أقل تكاملًا وإلحاحًا.
تزيد الهلوسات في فترة الوحدة، ويتندر بعضهم في أن الفصام هو وسيلة لتلافي عشاء المرء وحيدًا، فعلى سبيل المثال قد يسمع المرء أصواتًا تكلمه بشكل مخيف -وليس فقط صوتًا يكلمه فهذا يحدث لدى الكثير منا- تتمثل في قوة خارجية طاغية في وضح النهار، وبشكل لا احتمالية فيه أن تكون أصوتًا أخرى طبيعية من المحيط، فيراها المريض على أنها حقيقة خالصة.
2-الأوهام: هي تصور مشوه للواقع، تتمثل في صورة أفكار ثابتة راسخة غير متوافقة مع ثقافة الشخص، وتختلف عن الهلوسات بتشارك الكثير من الناس فيها. يؤمن المصاب بأنها حقيقة ومهمة، ولا تمسها شائبة من الشك! فعلى سبيل المثال صورة مخفية في لغز ثلاثي الأبعاد.
من الجوهري في تقييم الحالة الانتباه إلى اختلاط الثقافات المختلفة ضمن إطار العولمة، هذا المنظور يجعل من المهم فحص الأفكار ضمن سياق ثقافة الشخص المصاب ذاته وضمن الزمان والمكان ذاته، فما هو مقبول في ثقافة معينة وزمان ومكان معين قد يكون مرفوضًا في غيرها. على سبيل المثال في الشرق يكون تصور قوى خفية عابرة للمنزل بسبب طقوس روحانية طبيعيًا! أما في الغرب يكون تخيّل هجوم كهربائي من الجيران للاعتداء الجسدي غير طبيعي.

فئات الأعراض

تنقسم الأعراض إلى ثلاث فئات:
1. إيجابية.
2. سلبية.
3. معرفية.
أولًا، الفئة الإيجابية: هي سلوكيات ذهانية غير مشاهدة في الأشخاص الأصحاء عادة، يعاني المصاب بها من «فقد الاتصال» ببعض مناحي الواقع، وتتضمن الأعراض التالية:
– الهلوسات.
– الأوهام.
– اضطرابات التفكير (خلل وظيفي أو طرائق غير عادية في التفكير).
– اضطرابات الحركة (اهتياج في حركات الجسم).

ثانيًا، الفئة السلبية: هي اضطرابات في السلوك والمشاعر الطبيعية، وتشمل الأعراض التالية:
– اضمحلال الانفعال (Flat Affect): وهو انخفاض التعبير العاطفي في ملامح الوجه ونبرة الصوت.
– انخفاض الإحساس بالمتعة في الحياة اليومية.
– صعوبة البدء والاستمرار في الأنشطة.
– فقر في مجال الكلام (Alogia).

ثالثًا، الفئة المعرفية: هي اضطرابات في الإدراك الإنساني المتمثل في الفهم والوعي والمعرفة، والذي يتم عبر العمليات العقلية في التحليل والتذكر والمحاكمة والمنطق. تؤثر الإعاقة الإدراكية سلبًا على قدرة المصاب على الاحتفاظ بعمله والحياة الطبيعية، ويمكن أن تتسبب في ضغوط عاطفية شديدة. قد يلاحظ المصاب تغييرات في ذاكرته أو في جوانب أخرى من تفكيره. بينما تكون الأعراض الإدراكية خفيّة على الملاحظة عند بعض المصابين، إلا أنها تظهر بشدة عند البعض الآخر، وتحتوي الأعراض على:
– تواضع الأداء التنفيذي (القدرة على فهم المعلومات واستخدامها في اتخاذ القرارات).
– صعوبة في التركيز أو الاهتمام.
– مشاكل مع الذاكرة العاملة (القدرة الفورية على استخدام المعلومات بمجرد التّلقي).

العلاجات والاستشفاء

تشتمل علاجات الفصام على الأدوية الذهانية والعلاجات النفسية:
1- الأدوية الذهانية:
يتم عادةً تناول الأدوية المضادة للذهان يوميًا في شكل حبوب أو سائل، وأحيانًا على شكل مرة أو مرتين في الشهر.
الخبر الجيد أن معظم الآثار الجانبية تزول بعد أيام قليلة، تعاون الأطباء والمرضى حيوي من أجل العثور على العلاج المناسب والأمثل أو المزيج العلاجي والجرعة المناسبة لحالة المصاب.

2- العلاجات النفسية:
هذه العلاجات مفيدة بعد تأكد الطبيب من نوع الأدوية المناسبة للحالة، مهمٌّ للأشخاص المصابين تعلم واستخدام مهارات التكيف اللازمة لمواجهة التحديات اليومية من أجل تحقيق أهدافهم الحياتية، مثل الذهاب إلى المدرسة أو العمل. من المشاهدات المبشرة أن الأشخاص المداومين على حضور جلسات العلاج النفسي أقل عرضة لانتكاس الحالة أو للتنويم في المشفى.

في المقال التالي، سنلقي الضوء على باقي النقاط ورواية جيكل وهايد المشوقة.
ختامًا، النقطة المفتاحية هنا هي فعالية العلاج، فهي تمثل خطوة تعويضية تخفف عبء الانتظار في ساحة الغموض العلمي القائم.
إن غموض أسباب الفصام يجعل دائرة الاهتمام لعلاج مرضى الفصام تنحصر في إزالة أعراض المرض في الوقت الراهن، ويبقى التفاؤل في تحقيق الشفاء الكامل لمرضى الفصام معلقًا ومعقودًا في ركاب الأبحاث الأكاديمية في طب الأعصاب وعلم النفس العصبي.

المصدر: الباحثون المصريون

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى