معلومات ربما تعرفها لأول مرة عن براهما والبراهمانية – عبد الإله الملاح
براهما Brahma في الديانة الهندوسية، هو الإله الخالق للعالم ويؤلف مع شيفا Shivaالمدمر وفيشنو Vishnu الحفيظ، ثالوثاً في محفل الآلهة الهندوسية، وهو فلسفياً تجسيد لبراهمان Brahman المطلق، المجرد، المتعالي المنزه عن الصفات، الروح الكونية الخالدة التي تسري في العالم كله، الذي لا بداية له ولا نهاية، ولا حدود لتجلياته والذي لا يدرك إلا بزوال غشاوة الجهل وإليه يتوسل حكماء الهندوس للاستغراق في الروح الكونية وبه يبلغ المتأمل الانعتاق من دورة الحياة والموت. وبراهما مجرد تجسيد له وليس هو الحقيقة المطلقة ذاتها، ولأنه قد أنجز عمله بخلق العالم فإن مهمته قد انتهت، وخلافاً لشريكيه في الثالوث فهو لا يكاد يحظى بطائفة خاصة به، إلا في منطقة واحدة بالقرب من أجمير (راجستان) إلا أن صورته تظهر معهما في المعابد بينما يظهر في بعض الأحيان منفرداً في وسط المعبد الذي يمثل عند الهندوس تصورهم للكون، وينفرد عن شيفا وفيشنو بدلالة اسمه Brih الذي يعني بالسنسكريتية النمو والتعاظم.
ويذهب بعض الباحثين إلى أن براهما إله غريب دخل محفل الآلهة الهندوسية في وقت لاحق مع غزو قبائل من إيران وهضاب آسيا الوسطى، إذ لا تشير إليه أسفار الحكمة القديمة ولا يظهر اسمه صراحة إلا في أسفار الأسرار (الأوبانيشاداتUpanishadas) المتأخرة (700-300ق.م)، إضافة إلى أن فكرة الإله الخالق، مصدر الكون والقائم على الوجود، غريبة عن الفكر الديني الهندوسي الآري الأصل، الذي يقوم على تجسيد الظواهر الطبيعية وتحولاتها وطغيانها ودورة الموت والتجدد. كما يستدل على أصله الغريب من الصورة التي رسمتها له ملحمتا الرامايانا Ramayana والمهابهاراتاMahabharata بصفته روح العالم وخالقه، وهو مخلوق بذاته، نشأ بإرادته عن بييضة كونية، وذو صفات كاملة مما يتعارض مع تعدد الآلهة وتخصصها الوظيفي الآري الأصل ويتوافق مع ما كان شائعاً في فارس وآسية الوسطى.
تصف الأساطير براهما بأنه أحمر الوجه، ذو رؤوس أربعة ذهبت عين شيفا بخامسها انتقاماً لإهانته له ويحمل في أذرعه الأربعة سيفاً وملعقة وسبحة أو قوساً وأسفار الفيدا ويستخدم البجعة وسيلة للتنقل.
تكمن أهمية براهما في أنه يعد القوة المشخصة التي تحكم العالم وتشيع فيه الاستقرار، فهو مبدد فكرة وهم العالم وما يصاحبها من حيرة وقلق في عالم زائل تتعاقب عليه إرادة شيفا (التدمير والخراب) وفيشنو (الحفظ والرحمة) ولذا يسمى براجاباتي Prajapati رب وأبا المخلوقات وأبا البشر الذي يمنح الإنسان الخلاص من القلق ويوازن بين قوى الإلهين الآخرين.
البراهمانية
البرهمانية Brahmanism ديانة الهند القديمة، وترادف اليوم الهندوسية Hinduism ـ الأصولية في صيغتها التقليدية المتزمتة، التي نشأت من عقائد الفيدا Veda كتب الحكمة المقدسة، واكتسبت اسمها من طبقة الكهنة البراهمانيين الذين يقومون عليها، ومن مكانة الإله براهما وانشغالهم بالتـأمل في «البراهمان» الروح الكونية الخالدة التي تحرك العالم وتحكم استقراره، ومرجعهم أسفار الفيدا الأربعة. ومع أن عقائد الهندوس تمزج الأسطورة بالتاريخ، فثمة إجماع على أن الممارسات والتعاليم الفلسفية التي تؤلف البراهمانية تعود بجذورها التاريخية إلى القبائل الآرية التي غزت الهند في الألف الثانية قبل الميلاد (2000- 1000 ق.م)، ثم تطورت بعد تمازج الغزاة وأهالي البلاد الأصليين فجاءت بنظام ديني وفلسفي تلفيقي مركب بالغ التعقيد، أعطى الحضارة الهندية طابعاً خاصاً، في نظام من التقاليد والمؤسسات والأدب المدون والتعاليم الشفهية التي ينقلها المعلم إلى تلاميذه، وقد امتد أثرها إلى حياة الفرد وثقافة المجتمع وآدابه وفنونه ومؤسساته والأعراف والتقاليد التي تسوده. ومصادر البراهمانية متعددة أهمها كتب الفيدا (الحكمة المقدسة) التي تقع في أربع مجموعات من التراتيل والتعاويذ السحرية مصوغة في قالب شعري وهي: الريغ فيدا Rig veda (سفر الآيات)، وساما فيدا Sama veda(سفر الأناشيد)، ويجَور فيدا Yajur veda (سفر الأضاحي)، وأثارفافيدا Atharaaveda (سفر الكهنة)، ثم البراهمانات (الشروح) والأرانياكات Aranyakas (أسفار آلهة الغابات)، والأوبانيشادات Upanishadas (الأسفار السرانية) التي تتناول أصل الكون، براهما، حقيقة الإنسان، واتصال الأتمن أي الجوهر الإلهي في الإنسان ببراهمان الروح الكلية التي تسري في الكون.
والبراهمي هو أحد أفراد طبقة الكهنة في المجتمع الهندوسي، وهي الطبقة الأولى في الترتيب الهرمي يليها الحكام المحاربون (الشتريا)، ثم التجار والصناع (فيشيا)، وأخيراً طبقة الزراع (شودرا). ويمثل البراهمي الطبقة المثقفة، فهو الذي يملك المعرفة الدينية، ويشرح كتب الحكمة المقدسة (الفيدا) وملحقاتها البراهمانات والأوبانيشادات وتاريخ الآلهة، وهو بحكم هذه الثقافة يحتل مكانة استشارية مهمة عند الحاكم. ولطبقة البراهما سلطة دنيوية واسعة، بسبب توليها الإشراف على طقوس الزواج وترتيباته، وتقديم الأضاحي خاصة، ولدلالتها الرمزية في مفهومات الهندوس عن خلق الكون، ووضع الإنسان في العالم. وترسم ملحمتا الرامايانا والمهابهاراتا أدق تصوير لهذه السلطة التي يتمتع بها البراهمة.
ظل البراهمة يتمتعون بالحظوة والنفوذ في الحياة العامة في الهند، بفضل كفاءاتهم العلمية ومكانتهم البارزة تقليدياً في المجتمع، وتشير كلمة براهمي (براهمان) الملحقة بالاسم أو اتشاري (الناسك) أو جوبال أتشاري أو ريشي أو أحد الألقاب المتصلة بمراتب طبقة الكهنوت إلى انتماء الشخص إلى هذه الطبقة بالوراثة فمهاريشي تعني الحكيم الأعظم ومنها مهاريشي طاغور. وقد استفاد الحكم البريطاني من الوضع الذي كان قائماً قبل سيطرته على الهند، فاستعان بالبراهمانيين المتعلمين في الجهاز البيروقراطي، مما أتاح لهم الاحتفاظ بمكانتهم، وبرز الكثير منهم في زعامة الحركة الوطنية، واستمرت قيادة حزب المؤتمر بعد الاستقلال في أيدي المثقفين البارزين منهم، فتمكنوا من الهيمنة على الحكومة والعديد من الولايات. لكن موقعهم في المجتمع بدأ ينحسر إلى حد بعيد، في العقود الأخيرة، خاصة في المدن، في حين حافظ هؤلاء على مواقعهم في الريف والمناطق النائية، والواقع أن أسباب الانحسار ترجع إلى عهود أبعد، مع نشوء أزمات المجتمع الهندوسي، وجمود طبقة البراهمة وغلبة التزمت عليها، وظهور حركات الانشقاق في المجتمع وفي الفكر الديني والمحاولات الإصلاحية منذ القرن الخامس قبل الميلاد. وقد قدم بوذا[ر] Budha تعريفاً للبراهمي بالغ الصرامة يشترط اقتصار اللقب على من هو مثال الفضيلة والحكمة. وأدى ظهور الحركات المناهضة للزعامات التقليدية في العصر الحديث، وبروز طبقة واسعة من المثقفين الذين ينتمون إلى الطبقات الأخرى بفضل شيوع التعليم الحكومي العلماني، والثقافة الغربية مع الاستقلال، وقيام الحكومة المركزية، إلى انحسار نفوذ البراهمة، لكنها لم تنل من موقعهم في الحياة الدينية والأحوال الشخصية لهيمنتهم على طقوس الزواج والوفاة وسوى ذلك من المناسبات.