نظرية الرجل العظيم وانعكاساتها على مجتمعنا – أحمد عبد السلام الغرابلي
قبل البداية بالحديث على إنعكاسات هذه النظرية على افراد مجتمعنا، سأستهّل المقال بالتحدث على هذه النظرية وتاريخها.
منشأ هذه النظرية الفلسفية يرجع الى ما قبل القرن التاسع عشر ولكن سطع نجمها على يد الكاتب السكوتلاندي ثوماس كارليل في اربعينيات القرن التاسع عشر.
توماس كارليل آمن من خلال نظرية الرجل العظيم بأن التاريخ يُمكن تلخيصه أو وصفه “بتأثير قلة من ’الرجال العظماء’ او الابطال” الذين حسب وصفِه، أُناس ذو تأثير كبير على مسار التاريخ وذلك يرجع لشخصياتهم الفريدة من نوعها في حقبتهم من حيث الذكاء و الحكمه والدهاء و غيرها من المهارات التي خولت لهم القيام بتأثير حاسم على مسار التاريخ القديم والحديث.
من مقولته المشهوره “تاريخ العالم ليس إلا سيرة للرجال العظماء” نجد ان الكاتب الاسكتلندي إستدل بعدة شخصيات تاريخيّه واللتي زعم بإنها حددت مجرى التاريخ إما عن طريق وحي إلهي كما هوا الحال مع النّبي محمد صلّ الله عليه وسلم، او عن طريق امتلاكهم لشخصيات ذات صفات استثنائية نفعتهم في مجالات اعمالهم كما هوا الحال مع نابوليون بونابرت و شيكسبير وليوناردو دافينشي.
الان سأقوم بذكر بعض الامثلة التي استدل بها ثوماس من اجل دعم نظريته، كلنا نعرف تأثير النبي محمد صلى الله عليه وسلم على مجرى التاريخ حيث وصف من قبل الكاتب الامريكي مايكال هارت بأنه الرجل الاكثر تأثيرا في تاريخ البشرية، و لا يمكننا إنكار ان العالم لن يكون كما هو الان في حالة ان الرجل العظيم محمد، لم يولد او لم يقم بنشر رسالته لسبب من الأسباب. إذ ان قيامه بنشر الإسلام في الجزيرة العربية وما تبعه من أحداث مثل قيام الدولة العثمانية والغزوات لنشر الاسلام أثر بشكل هائل على شكل التاريخ القديم.
وكذلك تأثير العبقري الايطالي ليوناردو دافينشي ذي الموهبة الاستثنائية على اوروبا والذي استطاع تكملة مشوار رفيقه جوتو دي بوندوني بإقامة النهضه ووضع الاسس الفنية والعلمية والأدبية التي مهدت الطريق لغيره من الرجال العظماء من القيام بالعبور بأوروبا من عصورها المظلمة الى القارة المتقدمة التي نعرفها الان.
نُلاحظ انه هنالك أكثر من طريقة للرجال العظماء للقيام بتغيير في مجرى التاريخ، فالنبي صلى الله عليه وسلم تمكن بالقيام بتغيير واقعي بإستخدام الجانب الايماني للأنسان، في حين أن رجال النهضه استطاعو أن يغيرو التاريخ عن طريق العلوم والاختراعات
وهنالك طرق اخرى استخدمت من أجل تغيير مجرى التاريخ، أكثرها شيوعا واستخداما. الحروب.
حيث استطاعت الحروب ان تصنع التاريخ في اكثر من مناسبة، ناهيك عن خلق و تدمير الامم و الحضارات، حيث كانت الولايات الصينية القديمة في حروب مستمرة الى ان استطاعت احدى السلالات الحاكمة أن تقوم بهزيمة كل الولايات و توحيد الصين لتكون الامبراطورية الصينية العظيمة.
وبنفس الطريقة تدمرت الامبراطورية الرومانية الغربية نتيجة غزوات قوى البرابرة الذين استغلو ضعفها الاقتصادي.
والتاريخ مليء بالرجال امثال ادولف هتلر و نابوليون ومحمد الفاتح و الكسندر العظيم وجينكيز خان الذين كتبو التاريخ من خلال حملاتهم الحربية.
تختلف الاسباب والحروب واحدة، أدولف هتلر اراد ان يمسح عرق بأكلمه و ان يوسع من مجال نفوذ دولته، في حين أن نابوليون اراد ان يثبت شرعيته كحاكم فرنسا وإنتهى به الامر غازيا اسبانيا ومعظم المانيا و كل الدول المجاورة لفرنسا.
وهنا تبدأ بعض الاسئلة في الخطور على الذهن. هل كل العظماء أناس ذوو اهداف صالحة؟ وأيضا هل العظماء مترفعون من المحاسبة والتشكيك في قراراتهم؟
أدولف هتلر قام بقتل الابرياء وكذلك نابليون و لكن كان هذا من أجل أن يحققوا “أهدافهم الأسمى”، متبعين مقولة ماكيفيلي “الغاية تبرر الوسيلة” حيث يعتبر ماكيفيلي اي انتهاك للقيم والمبادئ الانسانية شيئا مبرر بل ضروري منه في بعض الاحيان من أجل تحقيق هذه الاهداف والتي ساهمت بدورها في تغيير مجرى التاريخ.
ولكن كل حرب طالت أم قصرت تعني انتهاك للقيم والمبادئ وهلاك بعض الارواح بريئة كانت أم لا، و تبقى هذه الانتهاكات محل جدل، فهنالك من يراها كضحايا جانبية من أجل الصالح العام و هنالك من يراها كجرائم بحق الانسانية.
يخطر القول “التاريخ يكتبه المنتصرون” على البال، حيث المنتصر هوا الذي يحدد وجهه النظر هذه.
ولكن الهدف الاسمى الذي ارتكبت من أجله هذه الانتهاكات، أيضا محط نقاش، لكل شيء أكثر من وجهة نظر، وتبقى الحقيقة ان النقاشات محض أراء ليست مهمة ولا تؤثر في التاريخ، لكنها قد تؤثر في المستقبل
خلاصة القول، أن الوسائل والاهداف محط انتقاد وجدل، ولكن هذا الجدل لن يمنعها من الحدوث طالما لم يُتبع بردة فعل رادعة.
جسدت النظرية و كل ما سبق ذكره من تساؤلات حول مكان القيم والمبادئ بما يتعلق بالرجال العظماء في رواية الكتاب الروسي ديستويفكسي “الجريمة والعقاب” حيث حاولت الشخصية الرئيسية “روديون” التأكد من صحة هذه النظرية وذلك بقيامه بجريمة قتل من أجل هدف أسمى الا وهو توفير الطعام من أجل الفقراء.
حيث إعتقد روديون أن توفيره الطعام للفقراء هدف أسمى جعله من الرجال العظماء الذين لا تنطبق عليه القيم والمبادئ الانسانية، و ظن أن بإمكانه ارتكاب أي جريمة طالما كانت هذا الجريمة ضرورية من أجل تحقيق مبتغاه.
وهنا يأتي تأثير هذه النظرية وإنعكاسها على مجتمعنا، هذه النظرية الفلسفية تعتبر غريبة علينا، ولكن بعضنا يتناول هذه النظرية في تصرفاتنا بشكل ضمني دون أن ندرك قيامنا بذلك.
مجتمعنا الان أرض خصبة للتفكير والنظريات، وإذا قمنا بفتح أعيينا جيدا سوف نرى أن وراء معظم الاحداث الواقعه جيدة كانت ام سيئة، إنعكاس فلسفي بشكل ما أو أخر.
فلو تأملنا لوهلة ما يحدث حولنا من قتل و انتهاك للحقوق، نجد أنه كل هذا يُعزى لضالة مرتكبي هذه الافعال من القيم والمبادئ، حتى لو اختلفت الاسباب التي ارتكبت من أجلها هذه الامور، فهي تعزى الى السبب المذكور أوله.
و من هنا نجد أن معظم أفراد مجتمعنا الذين ينتهكون القيم والمبادئ لأسبابهم الخاصة يشعرون بالعظمة التي يشعر بها اولئك الذين قامو بتغيير التاريخ، الفرق بينهم وبين العظماء أن هؤلاء الافراد ليسو برجال عظماء، ولا يقومون بتغيير التاريخ ولكن غياب مبادئهم جعلهم يشعرون بهذه العظمة في حين أن معظم الرجال العظماء لا يهتمون بمثل هذا الشعور، إذ ان شغفهم بهدفهم الاسمى، يغطي كل شعور اخر و يحجبه تماما في ظل الامور الاكثر أهمية..
________________________
نأتي الى موضوعنا الاخر، الا وهوا المساهمة في كتابة تاريخنا، نحن الان كمجتمع على شفا تغيير كبير، وهي مسؤوليتي و مسؤوليتكم كقارئي هذه المقالة، أن تدركو عظمة المخاطر المحيطه بنا، و أن تدركوا أنه عاجلا أم اجلا، سيسطع نجم أحد هؤلاء ولندعُهم أشباه العظماء ليقود غيره من الاشباه، الى هدفه الاسمى، والذي لن يكون في مصلحتنا نحن ذوي القيم و المبادئ ولا في مصلحة أجيالنا القادمة.
ويجب علينا أيضا القيام بكل ما نستطيع من أجل، إما أن يخلق أحدنا هدفا اسمى و يضعه على مرئ من الناس، إذا رأى في نفسه خصال العظماء وأن يتأكد أن هذا الهدف يكون في مصلحة اناسه وبلاده، و أن يبحث على كافة الطرق التي توصله لهدفه وان يختار الطريق التي تنتهك أقل عدد من القيم والمبادئ
أو ان يقوم الفرد بالبحث عن هذا الهدف الاسمى وصاحبه و أن يتعلم طالما يستطيع، لكي لا ينحاز تحت رايه شخص ذو هدف ضار دون أن يعلم.
خلاصة القول، نحن الآن نمر في وقت حرج، ، وقت خالي من الرقابة والروادع الاخلاقية، حيث كل أحد يعمل بما يمتلكه من مخزونِ متواضع من المبادئ الصالحة الهشة في نفسه التي لم تنجح الأنظمة التعليمية ولا البيئة الاجتماعية في ترسيخها بشكل كاف، و هيا مسؤوليتنا أن نقوم بكل ما نستطيع، من أجل اصلاح هذا الوضع، وإقتلاع العشب الضار من جذوره.
وما خيرُ منجلٍ من العلمِ.