وسقط الفيس وسقط الرئيس .. كيف أسقط الفيس بوك أنظمة وأفسد الأخلاق ؟ – بقلم: محمد العوضي
11-2-2011 سقط رئيس مصر حسني مبارك وتخلي عن منصبه كرئيس لجمهورية مصر ..سقط برغم كل ما عُرف عنه -وهو واقع -من أنه من أكثر رؤساء العالم تأمينا وحراسة ويعمل علي تأمينه أجهزة شديدة الاهتمام و الاحتراف و الولاء أيضا ..
الغريب في الأمر أنه لم يسقط بواسطة التيارات الإسلامية كما كان يخاف ويحذر وتعمل أدواته بل جاء سقوطه نتيجة عوامل كثيرة أهمها كان ذلك الترابط والتواصل الشديد الذي كان وقتها بين شباب الثورة في كل محافظات مصر عبر موقع التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) ..
ولم يكن تواصل الشباب على (الفيس بوك ) قبل الثورة بغائب عن أجهزة الدولة بل كان مرصودا بل والأهم من ذلك يحظى برضا الدولة وتشجيعها، فتلك المواقع التواصلية والرياضات الشعبية وحتي المواقع الإباحية كان يستغلها النظام المصري – كغيره – في تحويل الانتباه عن الواقع ليعيش الشباب لحظات جميلة تخفف حدة سوء واقعه كي لا ينفجر يوما ويثور !!
لكن موقع التواصل الاجتماعي لم يُغيب الشباب المصري على افتراض طبيعته كما لم تحرق النار سيدنا إبراهيم ، فلقصور الفكر البشري -مهما علا- عجزه الدائم أمام العدل الإهي، فنجا سيدنا إبراهيم من النار ونزل الشباب إلى أرض الثورة، و التقى الأبيض والأسود و انتصر الخير في نهاية الجولة .
الغريب في الأمر – والذي يدعو إلى التفكر – هو نقطة التحول التي جعلت من( الفيس ) يد بناء في الشخصية الثورية لا معول هدم ، فلقد راهنت الحكومة الذكية أنذاك من أن الشباب سيستطيع أن يفصل بين حياته الواقعية بحزنها وقهرها و بين حياته الإلكترونية بانفتاحها وغموض يقين أبعادها ، بل أن الكثيرين جدا قد رجحوا أن تخرج تلك السعادة الإلكترونية إلى واقع الحياة فتخفف من وطأته وتصنع إبتسامة توفر للحكومة إمكانية أكبر للمزيد من الضغط !
لكن العجيب أن الشباب المصري استوعب التجربة بسرعه ونهم و لم يفصل فقط بين حياته الواقعية وحياته الإلكترونية بل فصل في حياته الإلكترونية نفسها بين أحلامه البسيطة و هواياته العفوية، و بين واجباته و أهدافه الوطنية والتي أصبحت كلمات يقولها صدقا تارة ويتغنى بها تارة أخري لكنها في النهاية فرضت نفسها كواقع إلكتروني واضح وحالم وجميل ..
وفي غياب الرقابة و الحذر من الدولة اشتد عود الوطنية الالكترونية وتضخم حجمها ولم يعد يسعها ذلك العالم الالكتروني الواسع ، فبدأت تخرج إلى أرض الواقع كمكالمات هاتفيه ولقاءات ، ومع الوقت خلقت لنفسها تيارا واضحا له أنصار ومؤيدين على الواقع وله أيضا قادة ومخططين ذي هوية إلكترونية و انتماء مصري خالص و اكتملت بذلك كل عناصر الثورة من ظلم واقع و أهداف معروفة ومخططين مجهولين – إلا لقلة -و أنصار كثيرين يحملون صدق النية ونبل الهدف ولم يكن هناك داع لتأخير الثوره فقامت .
وبعيدا عن تداعيات قيام الثورة وما آلت إليه الأحداث تفكرت كثيرا جدا في نقطة شديدة الإنزواء والبعد ..
هل إرادة التغيير وروح الشباب هي فقط ما انتقل من الواقع إلى (الفيس) أم أن هناك شرورا ما قد انتقلت من (الفيس) إلى نفوس الشباب -كما كان مُخطط لها – وحققت في أنفسهم هدفا أو اثنين ينتظر التعزيز وفوزا تصنعه الأيام ؟!
لا أتكلم هنا عن ميول غريزية وحاجات نفسية قد تشجع سهولة الاتصال و صعوبة الرقابة تنشيطها ، كتكوين صداقات و إقامة علاقات مسموحة كانت أو مرفوضة وتحقيق الذات و إثباتها .. أقصد هنا هل حدث تغيير أو خلل ما في مفاهيم الأخلاق الاجتماعيه والشخصية للأفراد في ظل إمكانية التنكر في صفات ومشاعر و أعذار قد تكون وهمية ؟
ثم ما مدى سرعة و تأثير انتقال تلك الأخلاق الإلكترونية المستحدثة إلى واقع الحياه اليومية ..
وللوهلة الأولى بدا لي صعوبة حصر التغيير خاصة مع الأعداد الضخمة للموقع التي تزداد كل يوم ولم يكن هناك مفر من اختيار شريحة للقياس عليها مع مراعاة طبعا أن يبدو القياس طبيعيا قدر الإمكان ؛ كي لا يشعروا بغرابة ما أفعل وبضيق من ناحية ، وكي أستطيع أن أري بشفافية أكثر ردود أفعالهم الإلكترونية والتي قد تخالف ردود أفعالهم المعتادة على أرض الواقع طبقا لشخصياتهم المعروفة لدي بطبيعة حال العلاقة ، أو بنظرتي التحليلية والاستنتاجية وفقا لرؤيتي ومتابعتي لهم قبل اعتبارهم ضمن شريحة القياس ، وبذلك فإني سأستطيع أن أحصر تقريبا مقدار تأثير الفيس على شخصياتهم الإلكترونية و من ثم تأثيره على شخصياتهم الواقعية ، ومن معرفة توقيت دخولهم إلى الفيس و بالإضافة إلى طبيعة شخصياتهم من الممكن أن أحسب نسبيا متي ومدي سيؤثر ذلك على واقعهم بالتغيير إيجابا أو سلبا .
و باكتمال الفكرة و وقوفي على أدوات التقييم في رأسي بدأت رحلتي التقيمية عبر متابعات ومناقشات ومواقف كي أستطيع أن أُشخص و أحصر تلك الأمراض الإلكترونية الجديدة وبالفعل وجدت بعضا منها ، و أول ما وجدت هو البخل الإلكتروني ! ، فعلى الرغم من أن (الفيس ) مجاني في الأغلب إلا أنك قد تجد الكثيرين جدا قد يُعجبوا بموضوع ما أو صورة ويحتفظ بها لنفسه دون أن يبدي إعجابه لمن أظهر له هذا الموضوع ! ، لا لشيء سوى إحساسه أنه يملك ألا يبدي إعجابه !! ، والأغرب من ذلك أننا قد نتمني بالحياة عمل الخير أو تقديم المساعدة لمن يريدها لكن يمنعنا ضيق اليد أو متطلبات الحياة في حين أنه في الفيس (المجاني) قد نمنع أنفسنا من أن نمد يدنا لمن يطلبها حتى و إن كان طلبه بسيط كإبداء رأي أو مشاركة موضوع ، فقط وفق مبدأ لما أساعد طالما أملك ألا أساعد !!
و كأننا نخلق في أنفسنا قيمة مادية لما هو بالأصل إلكتروني و وهمي و مجاني فيعز علينا أشياء لا تحمل قيمة !!
ومن البخل ننتقل إلكترونيا إلى الكبر و سوء الأسلوب ، فمن أبجديات الذوق في حياتنا اليومية أن نرد السلام و ألا نترك من يكلمنا ونرحل إلا بإذن ، لكننا علي (الفيس) أوجدنا لأنفسنا معايير مختلفة فقط لأننا تخلصنا من حرج رد الفعل المباشر و كأن ما كان يحركنا في الواقع للسلوك الأفضل هو الحرج وليس حسن الخلق !
ومن الكبر إلى الخداع تلك الآفة الإلكترونية في بيئتها الأنسب ! ، فعلي الفيس تستطيع أن تخدع في صفتك وفي صفاتك و في مشاعرك وحتي تزييف حقيقة ردود أفعالك ! ، وتبرر لنفسك قائلا بأن الكل يكذب !!!
وكأن ما كان يمنعك من الكذب في الواقع هو قرب وسهولة كشفك وعقابك و ليس خوفك من الله العليم القدير !
إن معركة الفيس وقلوب الشباب لم تنتهي بقيام الثورة ، وبفرحه هي في حقيقة تاريخ مصر ليست نقطة تحول .. فنقاط التحول تأتي بتغيير حقيقي في الشعوب ، وقلوب الشعوب في عقول شبابها .
إن( الفيس بوك ) ذلك العالم الوهمي ليس مسالما وبريئا علي إطلاقه فلقد ثبت بالفعل أنه يستطيع أن يسقط أنظمة دول ! و من هنا ينبغي علينا أن ندرك جيدا أنه ومع الوقت قد ينقل الفيس إلى أنفسنا صفات مضرة هي ليست لنا في الواقع ، كما أنه أيضا يستطيع أن يحوي ما هو جيد منا ليُفاد به غيرنا .. تلك الإمكانية المزدوجه لا يجب أن تمر علينا بعفوية ، ويجب أن نوجه أهدافنا لا لهدم أنظمة بقدر احتياجنا الحقيقي إلى بناء أخلاق أمة .
ـــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة