لماذا تعتبر المذاهب الدينية أن الحيوانات مسلمة رغم أنها بلا عقل ؟ – بقلم: حمودة إسماعيلي
كانت أوّل تجربة علمية – يقول أندري كونت سبونفيل – هي ملاحظة السماء (الجنس البشري، أغلب الظنّ، هو الوحيد الذي يستلقي على ظهره وعيناه سابحتان في النجوم) وهذا ما سمح لنا بإدراك هذا اللغز الذي يتملكنا ويسكننا، إنّها بداية الروحانيات..
هناك من لا يتفقون مع هذا القول ! باعتبار أن الحيوانات تمتلك كذلك حسا روحانيا وألوهيا. تعرف الإله وتشعر بوجوده، بل إن لها قدرة التواصل مع الجانب الغيبي للعالم.
بحسب الثقافات الشعبية ـ وكما هو متداول ـ فإن هناك من يظنون أن الحيوانات تمتلك قوى تواصلية خارقة، سواء القدرة على رؤية الأشباح أو إدراك وقوع الكوارث الطبيعية (وهي محض أساطير متوارثة). لكن ما يهمنا هنا هو الجانب الديني المتعلق بالحيوانات، والذي له رؤية أعمق تكشف أن للحيوانات إيمان وحس ألوهة. وتعتبر هذه اللفتة من بعض الدعامات التي يفحم بها الدين المتشككين، طالما أن من وظائفه تفسير الظواهر الطبيعية والإشكالات المقلقة للإنسان بمعطيات إيديو-دينية.
منذ أيسوب (حكواتي يوناني عاش بالقرن السادس قبل الميلاد) إلى دي لافونتين (قصصي فرنسي عاش بالقرن السابع عشر بعد الميلاد)، ألِف الناس سماع قصص عن الصراع الإنساني تجسدها حيوانات، يتم استغلال خصائص معينة تم ملاحظتها (سطحيا) في الحيوانات، كإشارة لنوع النفسية والمكانة الاجتماعية (كالخائن، الملك، الغبي، الوفي الخ). فيستخلص بذلك المستمع منها مغزى معينا دون أن يشك ولو للحظة أن القصة واقعية أو أن الكاتب تعمد وصف مشهد حي لحيوانات بموقف ما، فعاين كل ما جرى ليصف السلوكات والأقوال التي تظمنت الموقف. فقد اشتهر هذا الأسلوب بأنه يُمكِّن الكاتب من التطرق لمواضيع سياسية واقتصادية قد يسبب له تناولها بطريقة مباشرة مشاكل مع السلطة، فيمررها عبر قصص خرافية مسلية يتم اسقاط المواضيع المستهدفة عليها (أو على تلك الحيوانات).
الدين له رؤية مغايرة، فهو بتناوله لقصص عن الحيوانات، لا دخل للخرافة أو التسلية أو تقديم معاني من ورائها، لأن الهدف من تلك القصص يكون واضحا، وهو كشف أن تلك الحيوانات عايشت القصة المروية بكل حذافيرها، وذلك لتأكيد فكرة دينية معينة.
الروايات الدينية التي تتطرق لموضوع تدين الحيوانات كثيرة فلاحاجة لذكرها، منها التي تؤكد أنه تقيم طقوسا دينية كدعاء أو صلاة أو تسبيح، رغم أن البعض يحاولون تفسير هذه النقطة بأنها من الأمور التي قد يعجز العقل الإنساني عن إدراكها أو كشفها أو تحليلها، مايعني أنه عندما يقال أن طائرا يطير دون أن تقدر على رؤيته، فكيف نؤكد وجود الطائر الذي لم يسبق لأحد أن رآه، ونفسر سلوكه علميا ؟! أفلا يشابه المثال الموقف المتعلق بتدين الحيوانات دون قدرة على كشف ذلك ؟! فغياب التأكيد لا يؤكد شيئاً إن لم ينفي التأكيد أو يؤكد النفي. لكن بعض الروايات تتشبث بأن الحيوانات لها قدرة على سماع أصوات من عوالم أخرى. والأغرب أنه بإحدى القنوات التلفزيونية المصرية دارت الحلقة عن جدال حول حديث ديني عن رجم مجموعة من القردة لقردة أنثى كعوقبة لها على ممارستها للزنى، وتبعا أي مدافع عن القصة سيضطر أن يقول كما يقول كل من يجد نفسه بهذا الموقف : أن الحديث أسيء فهمه أو أنه غير صحيح. لكن المشكلة في أن الرواي ذكر أنه شارك في الواقعة برجم القردة هو كذلك (1) ! . وبحديث آخر يُذكر أن فرسا دُفع للتزواج مع أمه، وعندما أدرك ذلك وأحس بها بشم رائحتها، فإنها عمد إلى قطع قضيبه بأسنانه ! (2).
يذهب البعض إلى أن هذه المرويات تدليس للدين. لكن ما لا يتم أخذه بعين الاعتبار، أنه لو لم يكن مثل هذا القصص أو المفاهيم دارجة بالدين، لما وَجدت لها مساحة أو مكانا فيه.
الدور الوحيد للحيوانات بالدين، هو أنها تُقدّمُ فيه كقرابين. أما عن تدينها، فلو كان لها قدرة الإيمان، فلما تُستَبعد قدرتها على الإلحاد ؟ وبالتالي يظهر مذهب جديد يدافع ويؤكد إلحاد الحيوانات وبُعدها عن الدين والإله، كتأكيد إلى أن العالم غير محكوم بأي قوة إلهية. وهذا هراء ! فالإلحاد يرتبط بإدراك الدين ونفي الإله، وذلك يعني الشعور بالحس الأخلاقي والممارسة الأخلاقية، أي وعي بالمفاهيم والتفكير والتساؤل. ولو كانت الحيوانات تمتلك هذه المعطيات، لوجدتها تنظم دوريات كرة القدم للفرق الحيوانية !
وكإضافة لإيضاح التباس يتعلق بأن التدين هو الوجه الرحيم للتعامل مع الحيوانات، فأكثر ما يفعله المتدينون هو ذبحها، وهذا لا يختلف بالنسبة لها عن عضة مُفاجأة من فهد أو نمر. لو كان هناك تخدير قبل قتلها يمكن أن نقول أنه موقف رحيم، لكن من منظور ديني فإن الحيوانات التي تُقدّم كقرابين دينية لاتشعر بالألم، “أي شيء يؤكد ذلك ؟” .. هذا يدخل بالإيمان، أمور لا يقف عليها العقل ! فتباً للعقل، مادمنا نسخر من العقل.
أما عن جماعات من البشر مُسخت لحيوانات، فلا تعليق ! لأنه سيلزمنا العودة لأوليس ملك إيثاكا عندما أرست سفيتنه بجزيرة الساحرة سيرسي !
1 : حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم. (البخاري)
2 : ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في ” كتاب الخيل ” له من طريق الأوزاعي أن مهرا أنزي على أمه فامتنع، فأدخلت في بيت وجللت بكساء وأنزي عليها فنزا، فلما شم ريح أمه عمد إلى ذكره فقطعه بأسنانه من أصله. (ابن حجر : فتح الباري في شرح صحيح البخاري).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة