شهران يفصلان العالم عن أول عملية زرع رأس إنسان.. فكيف ستتم ؟ – بقلم: حمودة إسماعيلي
بعد شهرين من الآن سيتمكن أي شخص من معرفة الإجابة عن نجاح هكذا عملية. فقد أكد جراح الأعصاب الإيطالي سيرجيو كانافيرو أن العملية ستتم أواخر شهر ديسمبر، لتكون كما قال مازحا هدية أعياد الميلاد. ولقد تعرض كانافيرو للسخرية ولمجموعة من الانتقادات عندما أشاعت الصحافة خبر العملية على أوسع نطاق. وتعددت الانتقادات بين وصفه بالحالم، وبأن المسألة محض حملة زائفة لإشهار قطاع طبي، وهناك من تنبأ بفشلها، حتى أنه تم تشبيهه بشخصية “فرانكنشتاين” الخيالية (من قصة ماري شيلي).
غير أن كانافيرو يذهب في رده باستمرار لإثارة نقطة تاريخية تتعلق بكون أي إنجاز كبير أو اكتشاف علمي ضخم، تجمهرت دائما حوله مجموعة من الناس تستبق الأمور بكلام فارغ دون محاولة استيعاب أو تفكر، هدفها فقط هو الانتقاد طالما أنها تألف العيش في كهف أفلاطون وتكتفي برؤية الظلال ! وهو هنا يتحدث عن مجموعة من خبراء الأعصاب.
سأل برنامج “صباح الخير بريطانيا” فاليري سبيريدونوف، وهو روسي متخصص في الإعلاميات يبلغ 32 عاما، والمتطوع في هذه العملية، عن سبب خوضه هذه المغامرة. فكان جوابه أن لديه دافعا كبيرا للعيش بشكل حر ومستقل معتمدا على نفسه؛ لأنه يعاني من مرض فيردنغ هوفمان، الذي يسبب خللا في الحبل الشوكي، والنتيجة ضمور وضعف في العضلات، أي أنه يعيش بجسد مقيد بالإعاقة، فمنذ لحظة استيقاظه يكون بحاجة لمن ينقل جسده من السرير نحو كرسيه المتحرك، وهو نفس الأمر كذلك عند العودة للنوم. لذلك قال بأنه لن يضيع أي فرصة تكشف عن احتمال مساعدته ليصبح شخصا قادرا على الاعتماد على نفسه عند القيام بشؤونه، وبغض النظر عن العملية فحالته قد تسوء، ولن يختلف الأمر بعدها سواء أجرى العملية وفشلت أم لم يفعل.
كانافيرو في تصريح له قال بأن أول تجربة لن تتم على فاليري، ولكن على صيني (مع التحفظ على المعلومات). والصين داعمة للفكرة منذ البداية وعلى استعداد لتوفير كل ما يلزم كانافيرو لإتمام العملية. وهي العملية التي ستصل ميزانيتها ل11 مليون دولار، وطاقم طبي يتجاوز ال100 مشارك، دون ذكر التقنيات المستعملة. الصين تطمح للحصول على جائزة نوبل من خلال هذه التجربة، طالما أنها حاضنة العمل ومشاركة فيه بفريق صيني تحت قيادة شياو بينغ رن، الجراح ذو الخبرة في هذه العمليات التي أجراها على الحيوانات، وأبحاثه الآن تتم حول الإنسان.
هل من الممكن أن تنجح هذه العملية ؟
كانافيرو يغمره الحماس، ففي نقاشاته وتصريحاته يعتبر المسألة أمرا مفروغا منه ونسبة النجاح عالية بدون نقاش. والعملية ستشارك فيها فرق طبية من مختلف أنحاء العالم، بخبراتها وتجاربها وحتى بتقنياتها المتطورة لأجل هذا الحدث، مثل كوريا الجنوبية، وأطباء من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. كانافيرو سيمثل قائد الأوركسترا بمساعدة البروفيسور شياو بينغ رن.
بغض النظر عن القطع ومسألة تبريد الرأس والجسم والحفاظ عليهما، يرى المنتقدون بأن هناك بعض المسائل التي لن يستطيع كانافيرو التغلب عليها، أبرزها :
– رد الفعل المناعي، أي أن مناعة الجسم ستهاجم الرأس باعتباره عضوا غريبا، وقد طرأ هذا الأمر ل”فلاديمير ديموكوف” بخمسينيات القرن الماضي (تجارب الاتحاد السوفياتي) عندما أجرى عملية شبيهة لكلب. كانافيرو يجيب عن هذه النقطة بأن الحل سهل والذي سيتم عبر حقن الجسم بمثبطات المناعة.
– عدم توفر ضمانة لتجاوب الرأس مع الجسم، وسبق للجراح الأمريكي روبرت ج. وايت أن واجه هذه المشكلة في السبعينيات، لدى إجراء نفس العملية لقرد. نجحت العملية لكن الرأس لم يتجاوب مع الجسم، ولم يستطع القرد أن يتنفس لوحده وبشكل طبيعي مع عجزه عن الحركة، وظل على هذه الحالة لأسبوع إلى أن لفظ أنفاسه. كانافيرو أثار مسألة غياب البولي إتيلين غليكول Polyethylene Glycol (غراء بيوليوجي) بتلك الفترة، وهو شيء بالغ الأهمية، فعند عملية النقل سيتم دهن مناطق الربط بهذه المادة (لأنها مساعدة في عملية الالتئام بشكل دقيق وسريع) ثم ستتم بعدها عملية حقن الجسم بنفس المادة لساعات متواصلة. وبدخول الجسم في غيبوبة ستبدأ عملية تحفيز النخاع الشوكي عبر الصعقات الكربائية.
ستتم العملية في ظرف قياسي يصل ل36 ساعة (بتقنيات متطورة عالية الدقة)، مع إبقاء الشخص الخاضع للعملية في غيبوبة لمدة شهر (حتى تتم عملية الشفاء والالتئام التام)، فيتم بعدها إيقاظه لتبدأ المعاينة والترويض الأمر الذي سيأخذ إجمالا مدة سنة.. بعدها يستطيع المعني أن يعود لحياته الطبيعية مع نقص في بعض القدرات، مثل الركض.