ماذا تقول عنا أزياؤنا؟
الموضة، أمر يتردد على آذننا كثيرا، وأصبح جزءا لا ينفصل عن حياة الكثير من الأشخاص. ليتشكلوا ضمن قوالب ظاهرية أو فكرية متشابهة تحيل إلى انتمائهم المشترك لتيار أو لشخصية ما. لكن، من يعتقد أن الموضة أمر سطحي وعادي أو سخيف فهو مخطئ، فالموضة جزء من تاريخ البشرية، فلا يمكن فهم هذا التاريخ في أحسن صوره بإهمال أحد أهم ما أنتجه. إذ تجتاز القماش الملموس إلى نسيج الشخصيات الداخلي لكل بشري.
موضة اليوم، و مجوهرات الماضي
تعرف الموضة على أنها آخر نمط من اللباس، تسريحة الشعر، التصميم أو حتى السلوك. ولكن غالبا ما يشار بها إلى الأزياء الفاخرة والباهظة… حيث بدأت صناعة الموضة مع المصمم الإنجليزي تشارلز فريدريك وورث في القرن التاسع عشر، إذ يعد أول من فتح دور أزياء خاص بتصاميمه، ويعتبره البعض أب تصميم الأزياء الراقية. لكن، بالعودة إلى التعريف فالموضة انطلاقا من اعتبارها نمطا منتشرا ومشتركا بين مجموعة من الناس إما في الباس أو تصاميم منازلهم… فهي في الأصل رافقت الإنسان منذ أن بدأ في ارتداء جلود الحيوانات والنباتات لحماية جسده طالما كان هناك عرف سائد وطريقة متشابهة ذات أهداف متقاربة. وما يدعم فكرة أن الموضة ليست حديثة العهد هو دراسة قام بها فريق من عالمي الآثار بقيادة باحثة في الآثار من جامعة بوردو بفرنسا. حيث تم إيجاد قطع تاريخية مثيرة للاهتمام في أراضي جنوب افريقيا. بالتحديد في كهف بلومبوس، عثر على خرز وعينات عظام وحجارة، كان معظمها مجتمعا معا، يبلغ عمرها ما بين72000 أو 75000 سنة، مما يطرح فرضية مهمة مستسقاة من أعماق التاريخ البشري الذي لا يفتأ يفاجئنا برسائله وكنوزه المخفية في أعماق الأتربة والحجارة. فرضية تثبت أن الإنسان منذ الأزل اهتم بالمظهر وعرف سر الحسن واندمج بين الطبيعة ليخلق مفاتحه الخاصة نحو الجمال ونحو حسن المظهر.
لم الموضة؟
نعود من رحلتنا التاريخية هذه إلى أرض واقعنا اليوم، لنتساءل من عدسة أخرى حول جانب آخر من هذه الظاهرة، الموضة. يبقى السؤال، لماذا يجتمع الناس تحت مظلة واحدة، وأسلوب واحد، رغم اختلاف خلفياتهم؟ من جهة، نلاحظ أن الناس في كل مجتمع وجهة كما لهم نفس اللغة فهم يتشابهون في اللباس وفي المظهر، لكن، لم تعد الحال نفسها بعد العولمة، أو حتى قبلها في حالات قليلة، إذ يتبع البعض شخصيتهم المفضلة، ويرتدون، يتكلمون، يأكلون، يتصرفون كما تتصرف تلك الشخصية إعجابا واقتداء بها. علاوة على هذا، قد يرتدي البعض أو يتصرفون كما يتصرف أهل بلد غريب يحلمون بزيارته… فعوض أن يتماشى هؤلاء مع التيار النمطي السائد في مجتمعهم، يتبعون مجتمعهم المطموح إليه. ليتحول المجتمع شيئا فشيئا إلى عبيد للمظاهر وللأشكال، وإن لم يكن ظاهرا أحيانا.
ماذا تقول عنا أزياؤنا؟
رغم كل ما قيل وكل ما قد يفكر فيه البعض بسلبية عن الموضة، فإن هذه الأخيرة ليست سطحية البتة، فهي مرآة تكشف جزءا قد تغفل عنه في شخصيتك. وهنا يأتي دور علم نفس الموضة. نعم، هناك فعلا فرع في علم النفس يختص بالموضة فقط، ويتم تدريسه في عدة جامعات عالمية. ففي مقابلة مع الدكتورة كارولين ماير، عالمة النفس البريطانية الشهيرة وحاصلة على الدكتوراه في علم الأعصاب الإدراكي، تتحدث العالمة عما يقوم به عادة علماء النفس الخاص بالموضة، “fashion psychologists”. كعالمة نفس فهي تطبق هذا العلم على سياق الموضة، ولا تهتم فقط بالملابس، بل بالسلوك البشري في مجمل جوانبه من خلال سلسلة التوريد بأكملها، إلى الاستهلاك والتخلص منها… فضلا عن أهمية وتأثير كل من التغييرات المجتمعية والبيئية التي تنتج بشكل أو بآخر من صناعة الموضة. كمثال على ذلك ارتفاع استهلاك الملابس التي ينتهي بها المطاف مرمية أو غير مستعملة لتزداد معها ديون الأشخاص بفعل تغير نمط الاستهلاك، ومن ناحية أخرى، الإسهام في ظاهرة التلوث.
إصلاح عدسات الأشخاص وتعزيز ثقتهم
ولأن التركيز على الجمال مهم ومرتفع، تتضمن أدوار عالم النفس في مجال الموضة العمل على تعزيز ثقة الناس بنفسها. فكما صرحت الدكتورة ماير، قد قامت بمساعدة عدد من الشباب في التغلب على مشاكل أو قضايا صورة الجسم بفعل الإفراط في الأكل أو اضطرابات التغذية. علاوة على هذا، فقد ساعدت مجموعة من المسنين في استرجاع ثقتهم بنفسهم من خلال الموضة. كما أنجزت الدكتورة في نفس السياق بحثا حول تصورات النساء المسنات وانطباعاتهن حول صناعة الإعلانات التسويقية الموجهة لهن.
بعد هذه النظرة المقتبسة إلى عالم الموضة، تبقى هنالك جوانب أخرى لم تذكر في هذا السياق. من أبرزها، السياسات التي تتدخل وتستغل صناعة الموضة كأي وسيلة أخرى لنشر أفكار أو تغيير معتقدات معينة. فهل تتعدى صناعة الموضة دور الأزياء وطيات الأقمشة إلى صناعة للأفكار وتلاعب بالميولات؟
المصادر: