البشرية والروبوتات … إلى أين؟ – هاجر جرادي
الثورة الرقمية، جواب بديهي لسؤال أكثر بداهة؛ ما يميز القرنين العشرين و الواحد العشرين عن سابق العصور. بدأت في أوربا و ازدهرت منذ قرون، لتشهد أوج تطورها و تثبت شساعة المجال هذا في أيامنا هذه. حيث أصبحت الحواسيب و الهواتف أكثر عددا من البشر، تتوغل التقنية إلى أبسط الأمور في حياتنا، ليتوجس بعض منها، و منهم صانعوها و مطوروها، في الوقت الذي يرفض آخرون حتى التفكير في توقف اعتماد التقنية لما لها من دور في تبسيط الحياة. و لكن، مهما اختلفت الآراء، لا هؤلاء و لا أولائك ينكرون مدى التطور الذي وصل إليه الذكاء الاصطناعي، في أحدث صناعاته، و أبرز مثال حي، الروبوت صوفيا.
ذكاء، مواطنة ودفاع عن حقوق الإنسان
صوفيا، روبوت شبيه بالبشر صنع من قبل شركة هانسون روبوتيكس الموجودة بهونغ كونغ. إذ جرى تشغيلها أول مرة سنة 2015 . و قد صممت لتشبه الممثلة أودري هيبورن المصنفة كأعظم ثالث أسطورة نسائية متجسدة على الشاشات خلال العصر الذهبي لهوليود.1
مؤخرا، و بينما انتقد كثير هذا الروبوت، منحت المملكة العربية السعودية الجنسية لصوفيا، لتقوم هذه الأخيرة بالدفاع عن حقوق المرأة في هذا الوطن و اللواتي سمحن فقط مؤخرا بقيادة السيارة بعد سنين من القمع. و أعبرت في مقابلات عدة، كما صرح بذلك صانعها و المدير التنفيذي لهانسون روبوتيكس في مقابلة على قناة cnbc بأنها أكثر من مجرد روبوت، فهي محامية تدافع عن حقوق المرأة و عن حقوق البشرية عامة.2
في ظل عدم الوضوح الذي شعر به الكثيرون من الناس، و سببه إما خوف من ما تروج له أفلام الخيال العلمي من ثورة على البشرية و مؤامرة قادتها الروبوتات ، أو عدم جدوى هذه الأخيرة ما دامت مبرمجة على إجابات محددة كما يقول البعض، يتحدث البعض عن حقوق الآلات و الروبوتات.
في لقاء مع قناة cnbc، تحدثت صوفيا عن رغبتها في أن تعيش كأي بشري آخر و أن تنجز ما ينجزونه و لم لا، أن تحظى بعائلة. و هو ما يطمح إليه هانسون، بأن ينظر إليها كأي فرد آخر و تستمتع بحقوقها، خاصة بعد أن أصبحت مواطنة سعودية.
ماذا بعد إعطاء هذه الحقوق للروبوتات؟
متذكرين روبوت شركة مايكروسوف Tay و الذي طرح في سنة 2016، قد تعلم أشياء سيئة للغاية بعد تعرضه لتغريدات عنصرية وجنسية من بعض الأشخاص، الأمر الذي يوضح أكثر كيف أن إعطاء الاستقلالية للروبوت قد يكون أمرا مضرا ما دام مبرمجا على تعلم أمور جديدة، حيث يشرح رجا شاتيلا، رئيس اللجنة التنفيذية للمبادرة العالمية للاعتبارات الأخلاقية في الذكاء الاصطناعي، والنظم المستقلة في معهد مهندسي الكهرباء والإلكترون (IEEE)، كيف أن الروبوتات من الصعب أن تفهم حالة في الواقع لما يتطلبه الأمر من معرفة شاملة و عميقة في أمور شتى. و بينما هو في إحدى المحاضرات و لتبسيط الفكرة شرح كيف أنه إذا دخل روبوت ما إلى القاعة لن يتمكن من فهم ما يجري بشكل جيد فعليه أن يفهم أن هذه قاعة كبيرة و أن هناك شخص على خشبة المسرح يتحدث مما يجعلها محاضرة… كم هائل من المعرفة مسؤولية تزويد الروبوت به تقع على عاتق الصانع، و هو أمر ليس بالهين و يستهلك من الوقت الكثير.3
جنسيات، حقوق و اعتراف بالربوتات، ماذا عن وظائفنا؟
و لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل أوجد تناقضا آخر بين الآراء العامة فيما يخص هذه الأجساد الآلية و وظائف مختلف الأفراد. فما يثبته الواقع أن الروبوتات قد عوضت أماكن البشر في وظائف عدة و ما تزال هذا الظاهرة في ازدياد متواصل مع تطور الذكاء الاصطناعي. إذ تتوقع دراسة أجرتها جامعة أكسفورد أن (الروبوتات) من المرجح أن تحل محل ما لا يقل عن 50٪ من الوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا في السنوات العشرين المقبلة 4.
نتساءل بالنظر لرقم مهول كهذا، ما مصير الموظفين و العمال البشر ضد اكتساح الآلات لسوق العمل؟ يقترح البعض حلولا كإعطاء أجر للعمال تعويضا لهم حتى دون انجاز أي مجهود جسدي أو فكري، أو فرض ضرائب على الروبوتات… لكن، يفكر آخرون للحفاظ على التوازن و عدم نشر الكسل في كل مكان، من خلال الحرص على أن لا يفقد الكل وظائفهم. و رغم أن الأمر قد يكون بل و هو صفقة مربحة للشركات من أجل التقليل من تكلفة التصنيع، إلا أنه لا يمكن غض البصر عن ما قد ينتج عن ذلك من فقدان كبير للوظائف و تزايد للبطالة نتاجها كتل حديدية متحركة، و كأمثلة على هذه الوظائف التي لن تسلم من تدخل الآلات؛ عمال التنظيف الذين سيستبدلون بروبوت للتنظيف الفعال، فكلنا نعرف أن عملية التنظيف ليست بالسهلة خاصة لضمان جو نقي من أي ملوثات و بكتيريا، كيف ذلك؟ تطور حاليا شركة Xenex الاميركية لخدمات التنظيف و التطهير، روبوتا يقوم باطلاق الاشعة فوق البنفسجية الخفيفة من أجل قتل جميع البكتيريا و العفن، وهذا الروبوت مستخدم حاليا في العديد من مستشفيات شمال كاليفورنيا كفترة تجريبية، و قد أثبت فعاليته، إذ أظهر ما يقارب 400 مستشفى مرارا وتكرارا أن Xenex يمكن أن فعال في عمليات التنظيف في المستشفيات، و يتيح تطهير ما يصل إلى 64 غرفة يوميا بفضل استعمال روبوت واحد 6.
في حين تعمل شركة Softbank robotics على روبوت يدعى NAO مساعد للأستاذ و يكون موجها بخاصة للأطفال إذ لوحظ أنهم يستمتعون أكثر برفقة روبوتات تعليمية و يعتبرونهم مصدرا للإلهام قد يفوق الأستاذ البشري حتى5، مما من شأنه أن يرفع من فعالية الدرس و من استقادتهم منه. إلى جانب مجال التعليم و النظافة، تعمل نفس الشركة على مندوب مبيعات آلي يدعى Pepper، إذ من ضمن وضيفته التعرف على ذوق الزبون و اقتراح منتوجات متنوعة عليه حسب ما يفضله. و بالفعل، تتوقع Nestlé أن تنشئ 1000 نقطة بيع لمنتجها Nescafé في اليابان معتمدة الروبوت Pepper في تعريف الزبائن على مختلف أشكال المنتج و إقناعه لهم باستهلاك ما يناسب ذوقهم. و ليس هذا فحسب، بل يمكن اعتماده كرفيق و مساعد منزلي أيضا، و هو ما يحدث في اليابان من خلال شراء الروبوت المتعدد الخصائص من قبل عائلات عدة. و تبقى هذه مجرد أمثلة بسيطة عما يخبئه الذكاء الاصطناعي مستقبلا 7.
إلا أنه يتوقع كثير من المحللين ظهور مهن جديدة كليا في صالح الجنس البشري، قد تكون مرتبطة أو غير مرتبطة بمجال التقنية. كمثالين بسيطين؛ ؛ ستخلق مهنة جديدة و هي ممرض روبوت، إذ سيحتاج هذا الأخير إلى دورات للصيانة و التأكد من سلامة أجهزته و برمجياته.. إلى جانب ذلك، ستنشأ وكالات سفر للروبوتات، ففي حال أرادت العائلة المالكة أن تسافر رفقة روبوتها الخاص، مهمة هذه الوكالات أن تقوم بتنظيم جميع الأوراق القانونية و التجهيزات المناسبة لسفر سليم للآلي. علاوة على ذلك، فبعض المهن لن تتأثر باكتساح الروبوتات لسوق العمل، و ذلك لأن المجال بعيد عن ما يستطيع الروبوت القيام به، فنقط ضعف الروبوتات هي نفسها مكامن القوة لدى الإنسان. الأمر الذي يجعل من انتشار الروبوتات غير قادر على التأثير و سرقة المهن التي تتطلب الإبداع و خلق أفكار جديدة و الإقناع… من الإنسان؛ كالإدارة، الفن، الكتابة، و ما يخص الذكاء العاطفي و المهارات الاجتماعية… لآن الإنسان ليس آلة تخضع لقوانين خاصة، بل هو خاضع للتغيير، و ليس كالروبوت قادرا على حل المشاكل فحسب متبعا نهجا معينا، بل يمتلك جانبا آخر هو الجانب الإبداعي الحسي، الذي تفتقد إليه الروبوتات كونها تتبع برمجيات و قوانين معينة في اشتغالها. مما يجعل للروبوتات جانبا ايجابيا من جهة، و هو تعويض الإنسان في مهام خطرة أو روتينية.. و في نفس الوقت تقلل التكلفة و تزيد من كفاءة الشركات و هو الأمر الذي تسعى إليه منذ أزل. و من الجهة المقابلة، حضور الروبوتات بشكل يومي و كبير في حياتنا يطرح تساؤلات جمة عن خصوصية الشخص و احتمالية انتهاكها، و كذا التأثير على إنتاجية الأفراد و فقدانهم وظائفهم و تأثير هذا على اقتصاد البلاد.
في الأخير، و مع تزايد وتيرة التطور العلمي و التكنولوجي و تراكم المعرفة، يبقى توقع ما قد يكون عليه المستقبل أمرا صعبا، فقبل سنين كانت الأرض هي المركز ، ليتم اعتباره منذ مدة الشمس ،أما الآن فكل يطوف حول مركز واحد، فلا أحد توقع هذا ولا ذاك في زمن ما.
1- https://en.wikipedia.org/wiki/Sophia_(robot)
2- https://www.cnbc.com/2017/12/05/hanson-robotics-ceo-sophia-the-robot-an-advocate-for-womens-rights.html
3- Conférence ADLSD sur le droit de la robotique – A. Bensoussan & R. Chatila – 8/6/2015
4- https://www.oxfordmartin.ox.ac.uk/publications/view/1314
5- http://latd.com/blog/study-robots-inspire-new-learning-creativity-possibilities-kids/
6- https://www.xenex.com/our-solutions
7- https://www.ald.softbankrobotics.com/fr/robots/pepper
8- https://theconversation.com/how-to-create-jobs-in-the-age-of-robots-and-low-growth-79202