العلاقات السياسية والدينية بين المغرب ومصر: دراسة تاريخية – بقلم: وليد موحن
بين المغرب ومصر علاقة تاريخية تعود إلى قرون خلت، كانت بداياتها الأولى مع المد الإسلامي الأول، واستمرت هذه العلاقة على حسب الأوضاع السياسية السائدة، فتارة تكون قوية متماسكة، وتارة أخرى تشوبها القلاقل والنفور. وهذا ما سنتعرف عليه من خلال ذكرنا لنمط العلاقات التاريخية بين البلدين.
أ- العلاقة العلمية والدينية بين البلدين وبعض رجالها
جمعت بين المغرب ومصر علاقة ثقافية ودينية متينة، زكاها وجود قبلتين (الأزهر/القرويين) شهيرتين للعلم في كل منهما، فكانت هذه المؤسسات التعليمية من أبرز الأسباب التي ساهمت في تقوية علاقة البلدين العلمية والدينية، بل وجعلت الكثير من أعلامهما الكبار في علاقة ترحال ووفود مستمر .
وبين الجامعتين علاقة جذب وإشعاع تاريخي، كان طلب العلم والتفقه في الدين هو المقصد والمبتغى، فكان لجامع القرويين نطاقه الذي يجتذب به قلوب الراغبين في تلقي الزاد العلمي، والذي لم يكن ينحصر فقط في بلاد المغرب، بل كان يمتد إلى بلاد الساحل الإفريقي الصحراوي (بلاد السودان قديما) وبلاد المغرب العربي، إلى أن يصل ذاك الإشعاش إلى بلاد الصحراء الليبية. فكانت بذلك قبلة لأهل الشمال الإفريقي العربي والإسلامي .
أما جامعة الأزهر الشريف، فكان إشعاعها إشعاعا عربيا يستقطب قلوبا أكثر بكثير، لقربها من بلاد المشرق من جهة، ولقربها من بلاد المغرب من جهة أخرى. فشكلت بهذا الموقع خصوصية فريدة مكنت من استقطاب عدد لا محدود من العلماء المغاربة بين أروقتها، نبغ الكثير منهم وسادوا بين أهل مصر والمشرق، وتنوسي البعض منهم بسبب الإهمال أو قلة الذكر. وهذا ذكر لأبرز العلماء المغاربة الذين ارتحلوا من المغرب إلى الديار المصرية واشتهروا بها أكثر من بلدهم:
– بن عبد السلام ابن فتح الغماري المغربي ثم المصري: الشيخ الإمام العالم المقرئ المجود الصالح المعمر، بن عبد السلام ابن فتح الغماري المغربي ثم المصري. ولده سنة سبع عشرة وست مئة. بقية المسندين أبو محمد المالكي الملقن المؤدب سبط زيادة بن عمران. كان تلا بالروايات على أصحاب أبي الجود؛ وسمع من أبي القاسم بن عيسى جملةً صالحة، وكان آخر من حدث عنه. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: بل ما روى لنا عنه سواه. وكان شيخاً متواضعا، مزجياً لأوقاته مدافعا، طيب الأخلاق، يمرح فيما ارتداه من الجديد والأخلاق. ولم يزل على حاله إلى أن نقص سبط زيادة، وعدم الناس من الرواية والإفادة. وتوفي رحمه الله تعالى بمصر سنة اثنتي عشرة وسبع مئة .
– أحمد بن الصديق الغماري الحسني المغربي: أحمد بن محمد بن الصديق بن أحمد، أبو الفيض الغماري الحسني الأزهري، ولد سنة (000 – 1380 هـ/ 000 – 1960 م). وهو متفقه شافعي مغربي. من نزلاء طنجة. تعلم في الأزهر، واستقر وتوفي بالقاهرة. عرف بابن الصديق كأبيه. له كتب، منها (رياض التنزيه في فضل القرآن وحامليه – خ) بخطه، في دار الكتب، و (مطالع البدور في جوامع أخبار البرور – ط) بطنجة، و (إقامة الدليل – ط) في تحريم تمثيل الأنبياء والأولياء على المسارح، و (توجيه الأنظار، لتوحيد المسلمين في الصوم والإفطار – ط) رسالة، و (التصور والتصديق – ط) في سيرة والده (ابن الصديق و (المعجم الوجيز للمستجيز – ط) رسالة في شيوخه ولمحة من تراجمهم و (إبراز الوهم المكنون – ط) في الأحاديث الواردة في المهدي .
ولم تقف العلاقة بين البلدين عن حدود التأثير والإشعاع العلمي فقط، بل تجاوزته إلى حدود أخرى، كان المجال الصوفي إحدى أهم وأبرز ميادينها. فقد اشتهرت كل من بلاد المغرب ومصر بكونهما قبلة للتصوف ومدرسة له. فنبغ فيهما الكثير من أعلام التصوف والزهد، بل وتجاوز صدى بعض أعلامهما الحدود إلى دول أخرى. كان من أهم هؤلاء الأعلام اللذين ما يزال ذكرهم عند كل لسان:
– أبو الحسن علي الشاذلي الغماري المغربي: أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف ابن هرمز الشاذلي المغربي. ولد سنة (591 – 656 هـ/1195 – 1258م). رأس الطائفة الشاذلية، من المتصوفة، وصاحب الأوراد المسماة ” حزب الشاذلي – ط “. ولد في بلاد ” غمارة ” بريف المغرب، ونشأ في بني زرويل (قرب شفشاون) وتفقه وتصوف بتونس، وسكن ” شاذلة ” قرب تونس، فنسب إليها. وطلب ” الكيمياء ” في ابتداء أمره، ثم تركها، ورحل إلى بلاد المشرق فحج ودخل بالعرق. ثم سكن الإسكندرية. وتوفي بصحراء عيذاب في طريقه إلى الحج.
وكان ضريرا. ينتسب إلى الأدارسة أصحاب المغرب، أخبره بذلك أحد شيوخه عن طريق ” المكاشفة ” قال الذهبي: نسب مجهول لا يصح ولا يثبت، كان أولى به تركه. وله غير ” الحزب ” رسالة ” الأمين – خ ” في آداب التصوف رتبها على أبواب . وانتشرت طريقته في بلاد مصر وشمال إفريقيا وحتى في بلاد المشرق، فكان بذلك نموذج التفاعل القائم بين الحاضرتين المغربية والمصرية، التي أنتجت أعلاما كبارا لا يسعنا ذكرهم. خاضوا أدوار علمية ودينية، فأثروا وتأثروا.
ب- العلاقة السياسية بين البلدين
تميزت كل من المغرب وبلاد مصر بوضعية خاصة في العالم الإسلامي بين فترة القرن السادس عشر والتاسع عشر. مكنت هذه الوضعية الخاصة من تمتين علاقة وطيدة بين البلدين تعود أصولها إلى فترة الدولة الأيوبية، وستمتد إلى فترة ما بعد الدخول العثماني إلى بلاد مصر ووقوفه عن حدود بلاد المغرب. فمصر منذ أوائل القرن التاسع عشر تمتعت بوضعية خاصة في الدولة العثمانية، والمغرب منذ أوائل القرن السادس عشر تمتع بوضعية أكثر خصوصية من الدولة العثمانية .
وقد مكنت هذه الوضعيتين من نشوء علاقة قوية بين البلدين، سواء على المستوى الاقتصادي أو على المستوى السياسي والعسكري، دعمها استقلال بلاد مصر قبل نيل بلاد المغرب للاستقلال سنة 1956م .
ولأن مصر هي مركز العالم العربي والطريق الذي يربط غرب العالم الإسلامي بشرقه والعكس، فإن قيام علاقة متينة بين المغرب وبلاد مصر كان ذي أهمية كبيرة، وذلك لكون مصر ممرا وميناء تاريخيا للحجاج المغاربة، أو التجارة المغربية المتجهة للشرق، لهذا نرى خصوصية ملفتة للنظر في هذه العلاقات، بل لا نكاد نرى أي فتور أو صراع بينهما، اللهم من الفترة الفاطمية التي سيطرت فيها الخلافة الفاطمية على بلاد المغرب العربي وما تلى هذا الاستيلاء من صراع مستميت على النفوذ كان له أثر بليغ على واقع المغرب إبان تلك المرحلة الحرجة من تاريخ المغرب.
وقد ترتب على هذه الخصوصيات المشتركة مجموعة من السمات، كان أبرزها قيام نوع من الاحتكاك المبكر والدائم بين كل من البلدين، ومن ناحية أخرى احتكاك مباشر بينهما وبين أوربا. وتلا هذا الاحتكاك في جانب منه أخذ كل من المصريين والمغاربة بسياسة تحديثية خلال القرن التاسع عشر بدت أوضح ماتكون على عهد كل من الخديوي في مصر (1863م- 1879م) والمولاى الحسن الأول في المغرب (1873- 2879م)، وكما أخذ المغرب في عملية تحديثه من أروبا فقد أخذ أيضا من مصر بسبب سبقها في هذا الميدان، مما يمكن القول معه أن هذه السياسة كانت بمثابة قناة اتصال أخرى بين البلدين .
وقد أدى هذا الاحتكاك بين البلدين والقوى الأروبية إلى وقوعهما في براثن القوى الإستعمارية. وكان الواقع متشابها في كثير من مناحيه: التغلغل الاقتصادي في البلدين من خلال ما عرف بأنظمة الحماية القنصلية بالمغرب والامتيازات الأجنبية بمصر، ثم نصب شبكة الديون التي وقع في خيوطها العنكبوتية أولا إسماعيل الخديوي في مصر ولحقه بعد قليل مولاي عبد العزيز في المغرب، وأخيرا ما تمخض عن كل هذا من احتلال للأراضي المصرية سنة (1882م)، تبعها بعد ثلالثين عاما بالضبط إعلان الحماية الفرنسية على المغرب (1912م