نصوص مختارة
هل البشر خراف أم ذئاب؟ مقتطفات من كتاب “جوهر الإنسان” لإريك فروم
هل البشر خراف أم ذئاب؟ مقتطفات من كتاب “جوهر الإنسان” لإريك فروم – إعداد: أميرة السمني
– “هناك العديد ممن يعتقدون أن البشر خراف، في حين يعتقد آخرون أنهم ذئاب. ويستطيع كلا الجانبين حشد العديد من الحجج الجيدة لإثبات آرائهم إذ لا يحتاج أولئك الذين يقولون أن البشر خراف سوى للإشارة إلى أنه يمكن بسهولة التأثير على البشر ليقوموا بتنفيذ ما يطلب منهم فعله، حتى لو كان مؤذيًا لهم، وأنهم يتبعون قادتهم إلى الحروب التى لا تجلب لهم سوى الدمار، وأنهم مستعدون لتصديق أى نوع من الكلام السخيف إذا قدم لهم بطاقةٍ كافية وكان مدعومًا بسلطة ما.”
– “ولكن إذا كان معظم البشر خرافا، فلماذا تختلف حياة البشر عن حياة الخراف إلى هذا الحد؟ لماذا تاريخهم مكتوب بالدم؟ وهو تاريخ عنف متواصل استخدمت فيه القوة دومًا لتحطيم إرادتهم … ألا نرى عدم إنسانية الإنسان اتجاه إخوته في كل مكان: في الحرب الوحشية، في القتل والاغتصاب، في الاستغلال الوحشي للضعيف من قبل القوي، وفي حقيقة أن أنات المعذبين وآهاتهم لم تعد تلقى إلا آذاناً صماء وقلوبًا قاسية؟ لقد قادت كل هذه الحقائق مفكرين مثل هوبز إلى استناج أن “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”. وقادت الكثيرين منا اليوم إلى افتراض أن الإنسان شرير ومدمر بطبيعته.”
وبين هذين الافتراضين يحاول فروم أن يصل إلى معرفة جوهر الإنسان هل هو خير بطبعه أم شرير، هل هو خروف أم ذئب؟
– “لن يتوقف الإنسان عن كونه مُدمرًا وساديًا ما لم يتوقف عن كونه عاجزاً، ووحدها الشروط التي تجعل الإنسان مهتمًا بالحياة هي التي ستطيح بتلك النزوات التي لطخت تاريخنا البشري بكل ذاك العار.”
– “ينمو حب الحياة فى مجتمع يتوافر فيه: الأمان (بمعنى الشروط المادية الرئيسية لحياة كريمة غير مهددة)، والعدالة (بمعنى أن لا يكون أى إنسان غاية لأهداف أخر)، والحرية (بمعنى لكل إنسان الفرصة ليصبح عضوًا فعالاً ومسؤولاً فى مجتمعه). وتعتبر النقطة الأخيرة ذات أهمية خاصة. فقد لا يكون حتى المجتمع الذى تسوده العدالة والأمان محرضًا لحب الحياة إذا لم يتم تعميق النشاط الذاتي المبدع لدى الفرد. فلا يكفى أبدًا أن البشر ليسوا عبيدًا. إذ لو كانت الظروف الإجتماعية تعمق وجود روبوتات، فلن تكون النتيجة حب الحياة، بل حب الموت.Top of Form”
– “قد خلقت الحضارة الصناعية البيروقراطية- التي انتصرت في أوروبا وأمريكا الشمالية- نمطاً جديدًا من الإنسان. نمطاً يمكن وصفه “بالإنسان المؤسساتى Organization man “، مثل الإنسان الروبوت، والإنسان المستهلك homo consumnes. وهو فى الواقع الإنسان الآلى. وبهذا أعنى إنساناً أداةً، وهو منجذب بشدة إلى كل ما هو ميكانيكى، ومتأهب ضد كل ما هو حى.”
– “يغدو الإنسان الميكانيكي أكثر اهتمامًا بالتعامل مع الآلات منه بالمشاركة فى الحياة والاستجابة لها. ومن هنا يصبح لامباليًا بالحياة، ومفتونًا بكل ما هو ميكانيكي، لينجذب أخيرًا إلى الموت والتدمير الكلى.”
– “إن العقلنة، والتقدير الكمي، والتجريد، وتزايد البيروقراطية، والتجسيد- وهي صفات المجتمع الصناعي الحديث ذاتها تماما- عند تطبيقها على الناس بدلاً من الأشياء، ليست بمبادئ الحياة، بل مبادئ آلات. ويصبح الناس الذين يعيشون نظام كهذا لا مبالين بالحياة، بل وحتى منجذبين للموت. وهم ليسوا واعين لهذا. وإنهم يستبدلون فرح الحياة برعشات الإثارة، ويعيشون تحت وهم أنهم أحياء جداً عندما يسعون خلف امتلاك العديد من الأشياء واستخدامها.”
– “الإنسان ليس بخيّر ولا شرّير. وإذا اعتقد المرء بخير الإنسان باعتباره الاحتمال أو الإمكانية الوحيدة، فسيضطر إلى تزييف وردي للحقائق، أو ينتهي في خيبة مريرة. وإذا اعتقد المرء بالطرف الآخر، فسينتهي به الأمر متشائماً وأعمىً، لا يرى احتمالات الخير الكثيرة في نفسه وفي الآخرين. أما وجهة النظر الواقعية فترى كلا الاحتمالين كإمكانية واقعية، وتدرس شروط تطوير أى منها.”
– “الشر ظاهرة “إنسانية” تمامًا. وهي محاولة للنكوص والعودة إلى حالة ما قبل البشرية، والتخلص من كل ما يميز البشر: المنطق، الحب والحرية. ومع ذلك فإن الشر ليس بشرياً فقط، بل ومأساوياً. فحتى إذا عاد الإنسان إلى الأشكال الأكثر بدائية، لا يمكنه التوقف عن كونه كائنًا بشريًا، وبالتالي لا يمكن أن يرضى أبدًا عن الشر كحل. أما الحيوان فلا يمكنه أن يكون شريرًا. إذ أنه يتصرف وفقاً لدوافعه الملازمة له والمتضمنة فيه، والتي تخدم مصالحه في البقاء. فالشر هو محاولة لتجاوز عالم الإنسان نحو عالم غير بشري، ويبقى مع كل ذلك بشريًا، لأن الإنسان لا يستطيع أن يصبح حيواناً إلا بقدر ما يمكنه أن يصبح إلهًا. فالشر هو خسارة الإنسان لنفسه في محاولة مأساوية للتخلص من عبء إنسانيته.”
– “إن درجات الشر هي ذاتها درجات النكوص. والشر الأشد هو ذاك الصراع الشديد ضد الحياة، وحب الموت.”
– “هناك “الأقل شراً”، وفقاً لصغر درجة النكوص. إذ هناك نقص الحب، ونقص العقل والمنطق، ونقص الاهتمام، ونقص الشجاعة.”
– “يميل الإنسان “للنكوص” و “التقدم”. وهذا أسلوب آخر للقول بأنه يميل للخير وللشر. فإذا تواجد الميلان في توازن ما، فسيتمتع بحرية الاختيار، بشرط قدرته على الاستفادة من الوعي وبذله جهداً في سبيل ذلك. فهو حر بالاختيار بين البدائل التي تُقًرّر هى الأخرى بمجمل الموقف الذي يجد نفسه فيه. فإذا قسا قلبه إلى حد اختلال التوازن بين الميلين، فسيفتقد تلك الحرية. وفي سلسلة الأحداث التي تؤدي إلى فقدانه الحرية سيكون القرار الأخير هو النقطة التي لا يستطيع بعدها الإنسان عادة الاختيار بحرية. أما في القرار الأول فقد يبقى حرًا باختيار ما قد يؤدي إلى الخير، بشرط وعيه لأهمية قراره الأول.”
– “الإنسان مسؤول حتى النقطة التي يبقى فيها حرًا باختيار سلوكه الخاصة. إلا أن المسؤولية ليست إلا افتراضاً أخلاقياً، وغالباً ما تكون تبريراً لرغبة المرجعيات بمعاقبته. ولأن الشر إنساني تماماً، ولأنه يُمثل إمكانية النكوص وخسارة إنسانيتنا، فهو يكمن في داخل كل منا. وكلما زاد وعينا له، كلما قلت قدرتنا على تنصيب أنفسنا قضاة على الآخرين.”
– “يمكن لقلب الإنسان أن يقسو. وقد يصبح غير إنساني (inhuman)، إلا أنه مع ذلك لا يكون أبداً غير بشري (nonhuman). فهو يبقى دوماً قلب الإنسان. وجميعنا تحددنا وتقررنا حقيقة أننا ولدنا بشراً. وبالتالي ومن هنا تنبع مهمتنا الأبدية في اتخاذ خياراتنا. لذلك يجب أن نختار الوسائل سوية مع الأهداف. ويجب أن لا نعتمد على إنقاذ أي شخص لنا، بل على وعينا لحقيقة أن الخيارات الخاطئة تجعلنا عاجزين عن إنقاذ أنفسنا.”
– “في الواقع يجب أن نتمتع بالوعي وذلك من أجل أن نختار الخير، إلا أنه ليس هناك من وعيٍ يساعدنا إذا فقدنا قدرتنا على الإحساس بمصيبة كائن بشري آخر، وبالنظرة الودودة اتجاه شخص آخر، وبتغريد الطيور، وخضرة العشب. إذا أصبح الإنسان لا مبالياً بالحياة فلن يكون هناك أى أمل بإمكان اختياره للخير. ومن ثم سيصبح قلبه قاسياً إلى الحد الذي ستنتهي الحياة بسببه. وإذا كان هذا ما سيحدث للجنس البشري بأكمله أو لأعضائه الأكثر قوة، فستكون الحياة قد انقرضت في أكثر لحظاتها أملاً.”