مجموعة من الخطوات التي تضع العالم العربي على أول طريق الحضارة
مجموعة من الخطوات التي تضع العالم العربي على أول طريق الحضارة – هلال رميتي
ليس مستحيلا أن نستيقظ يوما ما ونرى عالمنا العربي في مقدمة الأمم في كافة مجالات الحياة سواء العلم والرياضة أو الطب وحتى الفضاء. فتجارب كثيرة ماثلة أمامنا أثبتت بأن لا شيء مستحيل أمام الأمم لتنهض وتتطور وتسير في ركب الحضارة العالمية، وتترك بصمات خالدة لها في التاريخ البشري تتحدث عنها الأجيال القادمة. ومتى أدركنا أن مفهوم ”المستحيل“ لا قيمة له نكون قد قمنا بأول خطوة في الإتجاه الصحيح.
واقع العالم العربي:
ننظر اليوم إلى عالمنا العربي فنرى دولا تتحارب وتكيد لبعضها البعض، وتجارب فاشلة ومساهمات ضئيلة في شتى المجالات على المستوى العالمي، وآخرها دورة الأولمبياد المقامة في البرازيل حيث سجلت نسبة ضئيلة جدا من الإنجازات مقارنة مع دول أخرى تمتلك إمكانيات أقل.
ونسأل.. لماذا هذا التخلف الكبير والفشل الذريع حتى على المستوى الرياضي، الذي لا يحتاح إلى جهد ذهني كبير كما تحتاجه قطاعات التكنولوجيا والمعلوماتية وعلوم الفضاء والذرة. لذلك لا بد من خطوات يقوم بها العالم العربي ليؤسس للتغيير الحقيقي ويحقق النهضة المنشودة.
بناء الدولة المدنية الحقيقية:
لا يمكن الإستفادة من طاقات المجتمع العربي المتنوع الأعراق والأديان والثقافات وأنت تنظر كدولة إلى شعبك على أسس عرقية أو دينية.
فتصنيف الشعب على أنه هذا كافر وذاك مؤمن أو هذا جنوبي وذاك شمالي وغيرها من التصنيفات، تجعل الدولة طرفا في الصراع ضد فئة من شعبها فتفقد ثقة مكونات عديدة فيها وتحرم من طاقات وإمكانات هذه المكونات. أضف أن هذا التصنيف سيؤدي إلى عدم الإستقرار وإهتزاز الأمن السياسي والإجتماعي ما يخلق الإرهاب والتطرف لاحقا.
والحل يكون بتبني الدولة المدنية كخيار إستراتيجي من خلال فصل الدين عن السياسة والدولة فتصبح الدولة تنظر وتتعامل مع جميع مكونات شعبها على أنهم مواطنون لا كفار أو مؤمنين. والدولة المدنية يسودها قانون واحد ”الدستور“ يشمل الجميع على أساس الحقوق والواجبات، وبناءا على مرتكزات عديدة كالمواطنة والهوية وحب الوطن.
تبني الديمقراطية وتطبيقها:
الديمقراطية ليست مؤامرة على الشعوب العربية بل هي خلاص لهم وحل لمشاكلهم، ولأن الحكام يشعرون بخطرها على عروشهم وتوريثهم لاحقا لأبنائهم يلجأون لشيطنتها وتصويرها على أنها مؤامرة، فالديمقراطية تطيح بحكم الإستبداد والظلم الذي يمارسه الحكام والإكليروس في المجتمع، وتفتح العالم العربي على خيارات عديدة منها تنويع الطبقة السياسية وتعدد الآراء وفتح الآفاق والمحاسبة من خلال الإنتخابات، ووضع حد لتدخل الجيش في السياسة وكبح جماح الإنقلابات التي باتت تعبر عن تخلف في العمل السياسي في القرن 21.
وإذا كانت الديمقراطية جميلة فإن الحرية أجمل خصوصا إذا ما مورست بحدود تتوقف عند حرية الآخرين وعدم إيذائهم بما يكفله القانون.
التفكير الإستراتيجي:
عندما تنظر ببعد أعمق للأمور ولمدى زمني طويل سوف تنتج حلولا عملية وفعالة وسريعة ونوعية.
فالتفكير الإستراتيجي الذي يحاكي الحاضر والمستقبل والقائم على مفهوم ”الرؤية“ يقدم حلا جذريا وتصاعديا للعمل المؤسساتي وتعزيزه في العقل العربي.
وجميل أن يقدر العربي فرصته في الحياة وفرصة الأجيال القادمة، من خلال العمل على المحافظة على الثروات الطبيعية والمادية لمن سيأتي لاحقا، وهذا يتحقق فقط من خلال الخطط البعيدة الأمد والأهداف الواقعية والكبيرة بواسطة منظومة فكرية إستراتيجية تلائم بين ما هو تكتيكي وما هو بعيد الأمد.
تغيير المناهج العلمية والتربوية:
العلم هو الحجر الأساس لبناء المجتمعات، وأكبر جريمة ترتكب بحق المجتمع هو تشويه العلم والحقائق العلمية، من خلال تأطيره بمناهج تتضمن العديد من الكذب والتضليل لتواكب معتقدات دينية وثقافية معينة سائدة في المجتمع.
فالمناهج العلمية والتربوية في العالم العربي ضعيفة إجمالا ولا تلبي الطموحات العربية، ومرتكزة على أسلوب التلقين والحفظ.
وهذا يتطلب تغييرا شاملا فيها وتوجيهها نحو إرشادات وأساليب تعزز النقد في العقل العربي، وتجعله متقبلا للحقائق العلمية دون سواها.
وأهم ما يجب أن يدرج في هذه المناهج هي نظرية التطور وترك الحرية للطالب ليحكم عليها بنفسه لا من خلال ما يقدم له من قبل القيمين على هذه المناهج أو المشوهين لهذه النظرية من قبل رجال الدين. ومن ناحية أخرى لا بد من زيادة الانفاق على التعليم والذي يبلغ 3.9% وهي نسبة متدنية جدا. [1]
زيادة الإنفاق على البحث العلمي:
البحث العلمي ضرورة قصوى لنهوض شامل في كافة المجالات لأنه يؤسس لمناخ علمي يحث على الإبداع والإبتكار والإختراع.
وتبلغ نسبة الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي 0.2% مقارنة مثلا بإسرائيل الذي تصل فيها النسبة إلى 4.5%[2]. فالعالم العربي يعاني في هذا المجال المهم أيضا والذي يشكل أحد الاسباب المهمة للفشل الذي يقع فيه.
وبالمقابل نجد أن نسبة الإنفاق على التسليح تصل إلى 5.5% [3] ومعظمها ينفق لقمع الشعوب العربية وتكريس التخلف والجهل. ويأتي إرتفاع نسبة الإنفاق على التسليح على حساب البحث العلمي والصحة والتعليم.
فزيادة الإنفاق على البحث العلمي أمر أساسي وأولي للنمو الإقتصادي وزيادة الإختراعات والقضاء على البطالة وغيرها من المآسي الموجعة التي تعاني منها الشعوب العربية.
الإستفادة من طاقات الشباب العربي:
الشباب هم المحرك الحيوي لأي مجتمع، ويمتاز المجتمع العربي عن غيره من المجتمعات بأنه مجتمع فتي تصل نسبة الشباب فيه بين عمر 15 و24 عاما إلى 20% (أي خمس المجتمع)، ومتوقع أن يصل العدد إلى 58 مليون في 2025 [4].
وهذه الطاقة غير مستثمرة بالطرق الصحيحة لذلك تجد معدلات الجريمة والإحباط واليأس والإنتحار والتطرف والإرهاب في أوساطها مرتفعة جدا. فمعدلات البطالة تصل ما بين 10% و27% ومتوقع أن تصل إلى ما بين 12% و30% [5].
والمحنة الأكبر أن معدلات البطالة مرتفعة بين أصحاب الدراسات العليا فوصلت إلى 34% في 2014 و2% بين الذين لم يكملوا الدراسة الإبتدائية [6]. وهؤلاء يلجأون للعمل في مجالات تقليدية تحافظ على الوضع الحالي بعكس فئة الدراسات العليا الذين يقدمون أعمال جديدة ويبتكرون وهم مهمشون.
وفي أكبر دولة عربية كمصر تصل نسبة البطالة بين عمري 15 و24 سنة في فئة الذكور إلى 33% [7]، أي ثلث الشباب لا يعملون وهو رقم ضخم لديه تداعيات كبيرة.
وعلى سوء الوضع الإجتماعي والإقتصادي للشباب يسجل العالم العربي نسبة نمو سكاني تبلغ 1.8%، مقارنة بـ1% وهو المعدل العالمي [8]، ما يزيد الأعباء الإقتصادية والإجتماعية.
لذلك على الدول العربية تعزيز وزيادة الخطط للإستثمار في طاقة الشباب من الجنسين، لأنهم وحدهم قادرين على تغيير المجتمع العربي ووضعه على السكة الصحيحة من خلال فتح المجال لهم للعمل في قطاعات مهمة، وتشجيعهم عليها كعلوم الفضاء والفيزياء والكيمياء والمختبرات وغيرها.
تعزيز مشاركة النساء في المجتمع:
لا شك أن وضع المرأة العربية شهد تطورا إيجابيا ولو نسبيا بين الدول العربية لكنه يبقى تطور دون سقف التوقعات والطموح، فالمرأة لا تزال تناضل في عالمنا العربي لنيل أبسط حقوقها، كالمشاركة في الحياة السياسية وإعطاء الجنسية لأطفالها والقضاء على العنف الأسري.
والمجتمع العربي مطالب بإستثمار هذه الطاقة الإيجابية وجعلها تشارك في بنائه لأنها مورد بشري مهم غير مستثمر بالطرق البناءة الصحيحة.
وتبلغ نسبة النساء في العالم العربي 49.7% [9]، أي نصف المجتمع وهذا الرقم تحول لعبء بفعل العقلية الذكورية الحاكمة، بدل أن تكون قوة مضافة لتطوير المجتمع.
وتشكل النساء 25% من القوى العاملة فيما النسبة العالمية تصل إلى 50% [10]، بمعنى آخر أن 75% من القوى العاملة هم من الذكور في تناقض وظلم رهيب لدور وحجم وأهمية المرأة في البنية السكانية للعالم العربي.
وفي مصر تصل نسبة البطالة بين الإناث لحدود 66% [11] وهي نسبة جد مرتفعة، يترتب عليها مآسي لا تقل عن التخلف والجهل والأمية والفقر.
وثمة 48% من النساء لا يمتلكون هاتفا محمولا [12] وهذا يعني أن نصف نساء المجتمع العربي معزولون عن عالم التكنولوجيا والتطور.
وإذا لم يدرك المجتمع العربي خطورة التفريط بقدرات المرأة العربية وعزلها عن موقعها الإجتماعي، فإن مجتمعاتنا ستبقى تعاني من التخلف وتسجيل مراتب متأخرة في جدول الترتيب العالمي.
وأول الخطوات هو تأهيل المرأة أكاديميا لتدخل لاحقا في سوق العمل، ويجب القضاء على الأمية في أوساط هذه الفئة لتواكب الحضارة والتقدم.
خطوات غير كافية:
هذه الخطوات ليست وحدها كفيلة بتغيير الواقع المرير الذي يعيشه العالم العربي، لكنها بداية لهدف طموح يجعلنا نؤمن بأن لا مستحيل عندما يجتمع الأمل مع التخطيط الصحيح والرؤية الواضحة لمستقبل عربي سعيد.
عالمنا العربي يبحث عن السعادة ولن يجدها إلا في ركوب قطار الحضارة. فالقطار سريع وعلينا أن نلحق به قبل أن نخسر فرصة التغيير الحقيقية فنبقى في مؤخرة الأمم.
المصادر:
- [1] [3]: تقرير التنمية البشري العالمي لعام 2010.
- [2]: موقع الجزيرة.نت
- [4] [5] [6] [7] [8] [11]: مجلة الإيكونمست.
- [9] [10] [12]: تقرير أعدته قناة الجزيرة في 8 آذار 2016.
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة.