كشف الأنظمة الدفاعية للدماغ .. لكي تفهم الناس أكثر – بقلم: حمودة إسماعيلي
يخضع مجمل الجنس البشري لثلاث أنماط انفعالية أساسية :
1 ـ ود.
2 ـ كره.
3 ـ لامبالاة.
يعتمد الجنس البشري مثله مثل باقي الكائنات الحية، على عملية تواصل، والتي تخضع في حالة البشر لتركيبة معقدة في الظاهر، غير أنها بسيطة بالأساس. تتشكل مشاعر الود بما فيها الحب نحو كل ما يستثير أدمغتنا بإحساس المتعة، أكان مفيدا صحيا أو لا (النيكوتين أو الكوكيين على سبيل المثال)، نحن ننجذب ونحب ما نحبه لما يثيره فينا من إحساس أكان مادة أو شخص. قد نقول أن الضرورة قد تكون دافعا (بغض النظر عن المشاعر)، لكن لتفسير أوضح قد تدفعنا الضرورة لتناول الدواء المرّ دون مشاعر ود لهذا الدواء، وتدفعنا الضرورة لأكل البيتزا (لسدّ الجوع) مع مشاعر ود لهذه الأكلة؛ باختصار نحن ننجذب لما نحب وما يثير فينا إحساس المتعة، إلا في حالة الضرورة ننجذب لما لا يثير فينا نفس الإحساس، لأن ذلك ضروري ـ فالضرورة هنا استثناء.
وبالمقابل، نفرّ لكل ما يسبب لنا الأذى : أكان ماديا، كالعنف والاعتداء والحوادث؛ أو نفسيا، كالتقليل من الشأن وجرح الكرامة. قد يكون هناك استثناء كخلل نفسي، أو تركيبة نفسية مغايرة لأسباب معيّنة.
دون ذلك قد لا نعير اهتمامنا لما لا يثير فينا إحساس المتعة أو التهديد. لا إدهاش يثيره فينا على جل المستويات، بالرغم من أن هذا لا ينفي أن المجرّد من الإدهاش قد يثير انتباهنا عند ظروف أو حسب حالات معيّنة.. فالتفاسير النفسية والتشخيصات تنحصر بتغيّر الظرف أو مداخلات جانبية.
من هنا يمكن أن ننطلق لفهم مجريات العمليات النفسية الدفاعية عند الناس من حولنا. اعتمادا على الأساسيات الانفعالية التي استبقتُ بها الموضوع. إننا نميل تلقائيا وغريزيا للتعارف والتشارك، أن ننمي وجودنا بالأصدقاء والمعارف، الذين يثرون واقعنا وحاضرنا، بكل ما هو جيد وممتع ونافع لحياتنا. لكن الأمر لا يحدث هكذا حتى بالرسوم المتحركة! لكن من الممكن أن يحدث لو امتلكنا فهما كافيا لماهية الناس من حولنا، ولما يحدث لنفسياتنا عند التعامل مع من حولنا.
كل شخص تلتقي به، هل سيكنّ لك مشاعر ود؟ أو كره؟ أو لا مبالاة؟ ذلك يعتمد على ظرف وسبب اللقاء. الناس بالغالب مدفوعة لكسب الاحترام، عندما يرون شخصا أفضل منهم، حتى وهم لا يعرفونه! غير أنه بالظاهر يتمتع بالأفضلية (حسب جوانب معيّنة لفهمهم هذه الأفضلية، حسب نطاق رؤاهم وآرائهم واهتمامهم)، فاحتمال كبير هنا أن يكرهوا هذا الشخص! ستقول(ين) لماذا ؟ لأن الناس تميل للدفع بكل ما يسبب أذى، فالأفضل منا يسببون لنا أذاً نفسيا إذا حاولوا أن يؤكدوا ذلك، ما يعني أننا أقل شأنا منهم؛ بالمقابل سيندفع الناس (لو أنك نموذج هذه الحالة) للسخرية منك، معاملتك ببرود إذا اضطروا للتعامل، أو حتى الانقضاض عليك إذا سنحت الفرصة بالاتهام والشتم إلخ. لكن في حالة بدا الشخص (نموذج الأفضلية) أنه بعيد عن ذلك، تعامل بود أو باحترام دون مساس ظاهر لمشاعر الآخرين، لا أقول سيحبونه لكنهم سيبادلونه الود، مع احتمال أن تربطهم به مشاعر صداقة متينة. “قد يغفر لك الناس كل شيء إلاّ الموهبة والجمال” كما بتعبير لشخص مجهول. كثيرا ما يشعر البعض بأن هناك من يكرهونهم هكذا دون سبب، قد يكون شعورا صحيحا وليس جنون اضطهاد، الناس يكرهون المميزين لأنهم يسلطون الضوء على سوء حظهم أو عجزهم أو كسلهم أو فقرهم.. لهذا ينادون بالتواضع (الناس يعجبون دائما بالمميزين هم يكرهون ألا يلاحظوا وجودهم ! قد يمثل الكره والتجريح هنا السبيل الوحيد للفت الانتباه وإبراز الذات بالمقابل).
تعال(ي) لأفسر لك الأمر بشكل أكثر إيضاحا، اعتمادا على أدبيات المجال النفسي كما على المعاينات الشخصية، عندما تكون سعيدا أو السعداء إجمالا تأخدهم مشاعر الانجذاب نحو ما يجلب سعادتهم، عندما تكون سعيدا لا مجال لك أو وقت لديك لتكره، أنت مأخوذ بإحساسك ولا تبالي بالباقي، أنت في المود، وعلى مودك إنت وبس لاسهر واتأنق والبس على مود عيونك باقي أضحك من كل أعماقي وبعمرك آنا اتنفس على مودك إنت وبس والله بوجودك يمي ينزال تعبي وهمي.. لا وقت للالتفات هنا. فيظهر السؤال المهم : من يكرهون؟ من هم الأشخاص الذين يكرهون ويسعون للتقليل من شأن الآخرين؟ لماذا هم مدفوعون لكره الآخرين دون سبب؟.. ليس فقط من لديهم الوقت لفعل ذلك، بل من لديهم الإحساس النفسي الدافع لذلك، من ليسوا في المود.
يبدأ كره الآخرين من كره الذات، وكما يقول أوشو “إن لم تستطع أن تشعر بجسدك وتحبه، لن تستطيع أن تشعر بجسد آخر وتحبه”.
سيكرهك الناس، ولديك سبب الآن إن لم تجد سبباً لذلك. هناك نوع من البشر حتى لو عامتهم بود واحترام، سيجدون سبيلا للتقليل من شأنك أو جرحك! لماذا؟ هكذا يرتاحون أو ذلك يجعلهم يشعرون بشعور جيد، يشعرون بأنهم لا يختلفون عنك (ليسوا أقل منك!)، بأن لك نقط ضعف واكتشفوها ولو بالاختلاق والوهم. يقول المثل الفرنسي “لا تجعل شخصا لا يعتني بأظافره بشكل جيد يخبرك كيف تنجح بالحياة”، بذلك لا تجعل الناس يتدخلون في خصوصياتك أو نصحك، يمكنهم أن يكونوا نماذج، وسنقلدهم إذا أثاروا انتباهنا واهتمامنا. لا أن يكون النصح والإرشاد سبيلاً لنفث سمّهم.
سيكرهك الناس، سيسيئون الظن بك، سيحاولون أن يقللوا من شأنك، سينتظرون وقوعك ليفرحوا ويرتاحوا.. تعاليك عن ذلك هو ما يجعلك أفضل؛ وليس تصوراتهم المسبقة الغبيّة حول الأفضلية. كن أنت كما تريد ولا تبالي.. وعلى مودك إنت وبس لاسهر واتأنق والبس على مود عيونك باقي أضحك من كل أعماقي.
وسيحبك الناس، سيستمعوا بصحبتك، سيعتنوا بك، وسيضعون ثقتهم فيك.. ستُحب ليلاك وهي تكرهك وستكرهين قيسك إن توقف عن حبك.. الكره في الحب دلال ! وعلى مودك إنت وبس لاسهر واتأنق والبس على مود عيونك باقي أضحك من كل أعماقي.
ـــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة.