لمصر لا لعبد الناصر .. هل كان عبد الناصر شيطاناً أم تمت شيطنته ؟! – بقلم: يعقوب الأسعد
هو كتاب للكاتب الراحل والمحلل السياسي شاهد العصر الأستاذ: محمد حسنين هيكل، وهو من وجهة نظري من أفضل الكتب والمراجع التي قرأت عن حياة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. يستعرض الكاتب فيه دفاعات عن الرئيس بعد الحملة الشعواء التي تعرض لها. الغريب أن تلك الحملة بدأت في العام ١٩٧٤ أي بعد أربع سنوات من وفاته، والأغرب أن الحملة كانت من نظام يعتبر إمتداداً لحقبة الزعيم على إعتبار أن رئيس مصر حينها أنور السادات كان الرجل الثاني في نظام جمال! كتب الكتاب في العام ١٩٧٨ و مذ حينها والحملة مستمرة و متوسعة حتى وصلت حدود العالمين العربي والإسلامي … مع الأسف !
بدايةً ، يستعرض الكتاب في صفحته ال٢٢ كيف تم ويتم تشويه قيادات التحرر من قبل وكالة المخابرات الأميركية ومن ضمنهم، على سبيل المثال نهرو و غاندي وكاسترو و… كثيرين مثلهم . ثم يقوم الكاتب بذكر ٤ محاولات إغتيال تعرض لها الزعيم من وكالة المخابرات الأميركية وذكرت كلها في كتاب عبادة المخابرات (لجون ماركس: مسؤول سابق في جهاز المخابرات الأميركي)، والذي تم حجب أكثر من ١٣٠ صفحة منه كلها كانت تتحدث عن الشرق الأوسط وفق كاتبه (الصفحة ٢٥ و ٢٦). ثم يتابع الكاتب فيبين لنا إعتماد المخابرات الأميركية طريقة ال misinformation أو سياسة التضليل. مثل أن تجعل إحدى الصحف الصغيرة تنقل خبراً غير صحيح ، تنقله من بعدها وكالة أكبر حتى يصل إلى وكالة أنباء عالمية فيصبح الخبر صحيحاً ويصبح النقل فيه معتمداً من وكالة الأنباء العالمية تلك، بدل مصدره الأصلي الصحيفة الصغيرة ( الصفحة ٢٧ ) .
ثم يتابع الكاتب دفاعه ، وهو من كان على مسافة قريبة من الزعيم ، فينتقل إلى أمواله ليبين بالأرقام والشواهد تركة ناصر و الذي بينها بحوالي ٤٥٠٠ جنيه مصري ، نصفها من بوليصة تأمين على الحياة كان قد سجل عليها قبيل حرب فلسطين الأولى( الصفحة ٣٣).
أما ما خص أولاده واصهرته فيعترف بأنه ، أي هيكل ، قام بتوظيف ابنته وصهره وصهره الأخر في جريدة الأهرام برواتب ٣٤ جنيه مصري في الشهر، وقد طلب إليه جمال ذلك لأنه يأتمن هيكل ولا يستطيع أن يطلب من شخص أخر مثل هذا الطلب (الصفحة ٤٦). أما أولاده الثلاث فكانوا ما يزالون في الجامعات وأكبرهم خالداً.
عن القضاء ، يذكر الكاتب كيف أن جمال لم يكن يتدخل بأحكام القضاء ، و أنه على سبيل المثال تلقى طلباً من الملك سعود بخصوص الملكة ناريمان يرجوه أن يبطل حكماً لصالح زوجها و كيف أنه أبرق للملك بأنه لا يستطيع أن يتدخل بحكم القضاء، رغم أن الطلب جاء من ملك دولة شقيقة (الصفحة ٥٧ ).
ومن المفارقات التي يرويها هيكل ، أن عبد الناصر كان هو صاحب فكرة الإعفاء عن الملك فاروق في حين أن السادات كان من المتحمسين لإعدامه، فسأله حينها أنه إن كنتم تريدون محاكمته و حكم الإعدام جاهز فلما المحاكمة ؟ (الصفحة ٧٠ ).
ويروي الكاتب قصة شمس الدين بدران و أحكامه على قيادات الإخوان وكيف أن هيكل إنتقد ذلك مما دعا بدران للإستقالة وكيف أن ناصر لم يكن على علمٍ بمجريات المحاكمات، ولم يتدخل لا في الإستقالة ولا أيضاً في جعل هيكل يكف عن حملته وقتها (الصفحة ٧٢) .
ثم يضيف الكاتب بأن تحقيقات جرت بأمر من عبد الناصر، بسبب رفس شهدي عطية مما أدى إلى وفاته ، وأن التحقيق خلص إلى إعفاء مدير مصلحة السجون من مهمات وإحالته على المعاش.(الصفحة ٧٥ ).
أما عن الصراع الطبقي الذي أتهم به ناصر ، فيظهر هيكل كيف كان الصراع محتدماً بعد حريق القاهرة في سنة ١٩٥٢ و حتى قبلها ، و يفند لنا كم من الوزارات تغيرت في تلك السنة ليبرهن بما لا يقبل الشك أن الصراع الطبقي في مصر كان شيئاً متكدساً متراكماً لا دخل لناصر فيه، وكل ما فعله الأخير أنه أخذ من القليلين الأغنياء و أعطى للكثيرين الفقراء (الصفحة ٨٤ ).
في الصفحة ٩3 ، يوضح الكاتب ومن تقارير البنك الدولي حجم التقدم والإنماء في الإقتصاد المصري ، حيث وصل حجم النمو في العام ١٩٦٦ إلى ٦٬٦٪ وهو رقم يضع مصر وقتها، مباشرة بعد ألمانية واليابان.
ويذهب الكاتب إلى المديونية ليبين أنه في العام ١٩٧٠ بلغ حجم المديونية المصرية ، أي بعد رحيل جمال ، ٤ الاف مليون دولار (ربع نظيره الإسرائيلي مع التباين في عدد السكان، ومديونية لبنان “ربع سكان القاهرة” 65 مليار دولار ) ، (الصفحة ٩٧ ) .
ثم يضيف الكاتب أن ناصراً لم يلتقط الصراعات وإنما عايشها، فلا هو إختار أن تحتل إسرائيل فلسطين ولا أيضاً كان له دوراً في قيام حلف بغداد ولا في الإستعمار في المغرب والمشرق ، وكل ما فعل أنه عايش الواقع من موقع الزعيم العربي ومن مبدأ التحرر ومن مبدأ النصر للأخوة، فدعم كل حركات التحرر من الجزائر إلى كل العالم. (الصفحة ١٠٥ ) .
بالنسبة لنكسة العام ١٩٦٧ ، فإن عبد الناصر تحمل فيها المسؤولية كاملة، وكان واضحاً جلياً في خطابه بعد ذلك. رغم أن الخطأ ، ولو جزئياً كان على عبد الحكيم عامر الذي كان قائد المعركة ، ذاك أن الأخير تحول إلى العمل السياسي من رتبة رائد، فكانت خبرته العسكرية ناقصة (الصفحة ١١٣). ربما هنا يجب التذكير أيضاً أنه لم يكن في حسبان القيادة قرار الحرب وقتها و أن الجيش كان متروكاً ليستعد وليتدرب جيداً على الأسلحة الروسية وأن قرار الحرب أخذ ، وكان فيه تأمراً أميركياً، بعد أن تقدمت وحدات من الجيش الإسرائيلي صوب سورية في الشمال، وهذه معلومة غائبة عن الكثيرين ( الصفحة ١٣٦ ).
أما في الصفحة ١٣٧ فيتحدث فيها الكاتب عن صناعة الطائرات المصرية وعن مصانع الحديد والصلب وعن مصانع السلاح وعن تقدم مصر حربياً و علمياً وصناعياً ، عدا عن المشاريع كالسد العالي ،والمحطات الكهربائية ، وتأمين القنال، دعم حركات التحرر في العالم العربي وإفريقية و أميركا الجنوبية و آسيا وغيرها الكثير والكثير.جمال وغاندي
ثم يوضح لنا الكاتب أن السوفيات لم يأتوا للمنطقة بطلب من عبد الناصر ، فالسوفيات كانوا قبلاً وحدودهم ليست بعيدة وأن بريطانيا هي من تقاسمت مع السوفيات إيران وهي من أتت بها بدايةً. ثم يوضح أن الوجود السوفياتي اكسب العرب قوةً ذلك أن أمريكا دعمت إسرائيل وأعداء العرب وأنه بالسلاح الروسي حارب العرب وبالسياسة السوفيتية كان يوقف الإعتداء عليهم . ثم يذكرنا أيضاً بحركة عدم الإنحياز الذي أسسها ناصر صحبةً بنهرو و أخرين. (الصفحة ١٤٦)
إن جمال عبد الناصر كان تجربة هائلة في حياة هذه الأمة وفي زماننا المعاصر كله. لقد أصاب وأخطأ ، واعتقادي أن الإيجابي في تجربته يرجح السلبي بكثير ، ومحصلات أي حساب أمين تعطيه أكثر مما تأخذ منه بفارق كبير لصالحه ، ويكفي لأي واحد منا أن يلقي نظرة على خريطة المنطقة السياسية والإجتماعية والإقتصادية وموازين القوة فيها ، قبل جمال عبد الناصر وبعده ، ليرى الحقيقة ظاهرة ناصعة. عندما تزن أخطاء تجربة فإن هذه التجربة لا يمكن أن تقاس إلا بأهدافها هي ، وبظروفها هي وبالتحديات التي واجهتها هي وإلا بالخيرات التي كانت مفتوحة أمامها وإلا أصبح التقييم تعسفاً ،وإنحدر التاريخ إلى مستوى المؤامرة… والكلام هنا كله لهيكل ، رحمه الله.
لم أجد كتاباً كافياً وافياً يفند ما نسب إلى ناصر من أخطاء، واحدةً واحدة ويدافع عن كل قذف بأدلة وبراهين كهذا الكتاب وها قد وجدته فإني ارتأيت أن أوضح فحوى الكتاب نقطةً نقطة وصفحةً صفحة و فكرةً فكرة و شهادةً و تاريخاً و تحليلاً، فالرجل قد مات ولم يتبقى سوى فكره و أنموذجه، لذا أعتقد و من الإنصاف أن ندافع عن هذا الفكر بتجرد وموضوعية ، خصوصاً أن هذا الفكر ، و من وجهة نظر كثير من المحللين يعتبر طوق النجاة لحالة التشرذم و الإنحطاط الذي نعيشه حالياً في ظل هجمات الكل علينا.
غيرنا ، ومن كل حركات التحرر عرف قيمة عبد الناصر ، من إفريقيا ، لآسيا ، لأوروبا الشرقية ، لأميريكا اللاتينية ، لكل العرب الذين وقف معهم و وحارب لأجلهم ، والغريب في شبابنا من يرفع صورة كاسترو ويرفع صورة مانديلا وغيرهم ويعيب على نفسه رفع صور جمال.
في ما يلي شهادات في عبد الناصر :
شهادة الأستاذ الأفريقي أزروى: إذا كان يقال أن العرب شاركوا في إستعباد أفريقيا بتجارة الرقيق في عصور ماضية فإن العرب قد كفروا عن هذا الخطأ في هذا القرن بإن جاؤوا وراء عبد الناصر لتحرير أفريقيا .
فيدل كاسترو : لقد كان جمال عبد الناصر إلهاماً لثورتنا ،،، إذ كان في استطاعته أن يتصدى لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل في السويس ، أفلا يكون في استطاعتنا أن نتصدى لحكم الدكتاتور باتيستا وأن نعلن الثورة المسلحة وننتصر ؟
كان لدي موعد قد تأخر ربع قرن مع رجل رفعت رأسي من بعيد كي يراه، ثم حالت ظروف قاهرة بينه وبيني لألقاه، وحين جئت إلي مصر فقد كان من سوء حظي أن جمال عبد الناصر لم يعد هناك سأزور فى مصر ثلاث أماكن الأهرامات و النيل العظيم و ضريح الرئيس جمال عبد الناصر.نيلسون مانديلا من كلمة ألقاها عند تكريمه في جامعة القاهرةعام ١٩٩٥
إننا لننحنى خشوعاً أمام جثمان الفقيد ناصر الذى كان وسيظل دائماً للعالم التقدمى زعيماً ورئيس دوله عظيماً، وسيظل أحد أبرز الزعماء الذين ساهموا فى تحرير أفريقيا. فرانسوا تومباباى [رئيس تشاد]
كنا أيام الرئيس جمال عبد الناصر كالأطفال نتشاجر، ونتغاضب ونتقاتل، ثم نذهب إليه ليصلح بيننا، فقد كان هو الأمان دائما. الرئيس السورى حافظ الأسد
لقد أعطى الرئيس عبد الناصر لوطنه ولأمته العربية عمره كله، ولولاه ما تحررت الجزائر ، لقد كان تحرير الجزائر حلما بعيد المنال قبل عبد الناصر ، ومعه وبفضله أصبح واقعا نعيشه الآن ،لقد ظل الراحل العظيم حتى أخر لحظة فى حياته يناضل ويكافح من أجل الحقوق العربية ، لقد مات شهيدا فى سبيل العروبة . الرئيس الجزائرى هوارى بومدين
إن وفاة عبد الناصر، تعني وفاة عدو مر، إنه كان أخطر عدو لإسرائيل.إن إسرائيل لهذا السبب لا تستطيع أن تشارك في الحديث الذي يملأ العالم كله عن ناصر وقدراته وحنكته وزعامته .مناحيم بيجن زعيم الليكود ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق
ان وفاه جمال عبد الناصر هى خسارة أليمة للشعب العربى ولكل الشعوب التقدميه لأنها جاءت فى وقت حرج يواجهه النضال ضدالإستعمار والعدوان الصهيونى من أجل الحقوق الشرعيه وإقرار السلام فى الشرق الأوسط. لودفيج سفوبودا [رئيس تشيكوسلوفاكيا]
انه رجل دوله عظيم إستعاد بحق لمصركرامتها وعزتها. جورج بومبيدو [رئيس فرنسا]
أن وفاة عبد الناصر كارثة عظيمة حلت بالوطن العربي لقد كان من ابرز زعماء الأمة العربية ومن أشرف زعمائها الخالدين. الشيخ صباح السالم الصباح أمير دولة الكويت.
ــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة