كيف تُدمِّر التكنولوجيا مستقبل البشرية؟ – بقلم: إبراهيم أبو جازية
أكثر من ثلاثة مليارات مستخدم للإنترنت حول العالم، أي ما يقرب من نصف عدد سكان العالم يستخدم الإنترنت بصفة مستمرة؛ للدراسة أو للعمل أو للترفيه أو لأغراضٍ أخرى. الجميع يستخدم الإنترنت والتكنولوجيا بشكل عام في الحياة اليومية.
غيَّر الإنترنت والهواتف الذكية والتكنولوجيا طريقة تواصل البشر مع بعضهم البعض، وذلك عن طريق خلق واقع افتراضي جديد يتواصل الناس عبره.
ولربما كان انطلاق الحشد للثورات العربية عن طريق الإنترنت، وعبر أوساط افتراضية، أكبر دليل على الدور الذي تلعبه التكنولوجيا كمحفّز للتغيير الاجتماعي، لكن قد تكون تلك هي البداية فقط، فبحسب تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية، فإن تأثير التكنولوجيا في المستقبل، قد يتعدى إلى تغيير جذور المجتمعات.
الخصوصية والبيانات
بمرور عام 2020، سيكون هناك ما بين 20 و30 مليار جهاز متصل بالإنترنت؛ ما يعني التحكم تقريبًا بكل شيء في حياتك باستخدام الإنترنت، أو أوتوماتيكيًا بسيارتك أو منزلك الذكي أو هاتفك المحمول أو بريدك الإلكتروني أو حسابك البنكي، إلى آخره من قائمة متجددة باستمرار.
كل ذلك يستدعي وجود مبرمجين يقفون خلف تصميم تلك البرامج والتطبيقات، وذلك يستدعي بشكل أو بآخر، طرح سؤال الخصوصية؛ إذ إنه مهما بلغت درجة الأمان التي يوفرها التطبيق أو البرنامج، يظل هناك من يقف خلف التطبيق أو البرنامج، فماذا عن الخصوصية معه؟
وثمّة أجهزة حديثة بإمكانها تقليل استهلاك الطاقة، بالإضافة إلى مراقبة سلامة البيئة التحتية، وتعظيم الاستفادة في عدة مجالات، لكن ليحدث ذلك، يستلزم الأمر كمًا هائلًا من البيانات، يقف خلف جمعها بشر، ثُمّ يدخلونها إلى الآلات لتحليلها بالذكاء الاصطناعي، وعليه لا يبدو أن ثمّة مفر من مشاركتك خصوصيتك مع بشر آخرين، للاستفادة مما تقدمه التكنولوجيا.
مستقبل العدالة الجنائية: الشرطة التنبئية
يُقصد بالشرطة التنبئية، استخدام التكنولوجيا والتقنية الحسابية والتحليلية في تنفيذ القوانين، وذلك من أجل تحديد النشاط الإجرامي قبل حدوثه. وتعمل الشرطة التنبئية على تنفيذ أربع مهام أساسية، وهي التنبؤ بالجرائم قبل وقوعها، والتنبؤ بالمخالفين، والتنبؤ بهويات الجناة، وأخيرًا التنبؤ بضحايا الجريمة.
وانتشر الاحتفاء بمثل هذه التقنيات على مستوى العالم، حتى إنها وصفت بأنها «ابتكار ثوري قادر على وقف الجريمة قبل قوعها»، كما اعتبرت مجلة «تايم» الأمريكية، أن الشرطة التنبئية من أفضل 50 اختراعًا في العالم لعام 2011. وتنفذ تقنية الشرطة التنبئية الآن في عدة أماكن، من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وبقدر هذا الاحتفاء، وجه أيضًا الكثير من الانتقاد لهذه التقنية، فهناك من يرى أنها قد تفتح الباب أمام العنصرية والتمييز، والتحيزات ضد الأقليات العرقية والدينية، وذلك من قبل بعض مستخدمي التقنية.
لكن النقد الأكبر والأهم، الموجه لها، هو التغيير الجذري الذي ستؤدي إليه، في مفهومي البراءة والذنب؛ إذ كيف يُكن محاسبة شخص ما، أو التعامل معه كمجرم، لمجرد نيته في فعل الجرم، وهو لم يفعله؟ في حين إنه من الممكن أن يغير رأيه، أو أن يعيقه أي عائق لتنفيذ الجريمة.
حقوق العمل والعمَّال
مع النهضة الصناعية والتكنولوجية والعولمة، الذين شاركوا جميعًا في تسريع حياة الإنسان، أصبح من الطبيعي التخلي عن عدد كبير من الوظائف؛ نظرًا لوجود آلة تستطيع القيام بدور الموظفين والعمال؛ وكلما زادت نسبة التشغيل الآلي في المصانع والشركات والمؤسسات، كلما أدى ذلك إلى سوء العمَّال.
وفي عصرنا هذا، هناك عدد كبير من الوظائف المهددة بالانقراض لعدم حاجة الشركات والمؤسسات لها، وبالتالي فإنه في هذه الحالة، ومنعًا لتسريح عدد كبير من موظفي الشركة، يضطرون إلى تشغيل عدد أقل من العمال، أو البقاء على العمال أنفسهم، ولكن برواتب أقل.
وبالرغم من تسهيل التكنولوجيا والإنترنت لعمليات التوظيف، واستقطاب عمالة جديدة، إلا أن هذا كله جاء على حساب حقوق العمال أنفسهم؛ فالمرونة المرتبطة بالعمل عبر شبكة الإنترنت أدت إلى غياب عقود العمل التي كانت تحمي العمال ببنود التأمينات والتعويضات المستحقة.
وبحسب إحصاءات البنك الدولي، فهناك حوالي 35% من فرص العمل في بريطانيا ستتحول بالكامل إلى أعمال آلية، لا يتدخل فيها الإنسان كما كان من قبل؛ ما سينتج عنه ارتفاع في نسب البطالة.
وهناك أيضًا حوالي 57% من فرص العمل في خطر، وذلك في دول منظمة التعاون والتنمية، وفي الصين، فتصل النسبة إلى 77%، أمَّا في أثيوبيا فترتفع النسبة لتصل إلى 85% من الوظائف التي سيتم الاستغناء عنها مقابل تأديتها عن طريق آلات في فترة قصيرة من الزمن.
عدم المساواة
بالرغم من تحسن مؤشرات التنمية العالمية خلال العقدين الماضيين؛ ما يعني انخفاض نسب الفقر المدقع وسوء التغذية والوفيات نتيجة الأمراض، إلا أن نسب العدالة في توزيع تنخفض بشكل كبير.
وبالرغم من تسهيل التكنولوجيا لحياة البشر، إلا أنه من المتوقع أن تظهر طبقة اجتماعية جديدة، ستحل محل طبقة الأثرياء الحاليين، وهي الطبقة التي ستجمع بين الثروة المالية والتكنولوجية، فأولئك المنضمون لهذه الطبقة هم من سيستطيعون السفر إلى الفضاء لقضاء عطلهم مثلًا، أو استبدال آلاتهم في المنزل بآلات بتقنيات ثلاثية الأبعاد.
كل هذا قد يؤدي إلى المزيد من القلاقل السياسية، واتساع في رقعة عدم المساواة بين الشرائح والطبقات المجتمعية.
الاضطرابات والصراعات
تعتبر التكنولوجيا أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى الصراعات السياسية والحروب، بخاصةً في الدول التي تعتمد على النفط والطاقة بشكل رئيس في الناتج المحلي، وذلك بسبب الميل العالمي للانتقال من الوقود الحفري إلى الطاقة المتجددة في المستقبل، فهناك دول مثل المملكة العربية السعودية وفنزويلا وروسيا تأثروا جميعًا بانخفاض أسعار النفط.
وتنشأ الصراعات الداخلية في البلاد ومثيلاتها بسبب الخسارة الكبيرة التي يتعرضون لها بمرور الوقت وبزيادة التقدم التكنولوجي؛ ما يعني خسارة أكبر في الناتج المحلي، ومن أجل تغطية العجز، ترتفع الأسعار والضرائب المفروضة على المواطنين.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي التكنولوجيا أيضًا إلى بعض الصراعات الدولية والحروب، وذلك مع ظهور آليات جديدة للحرب، أو ما تسمى بالحرب الإلكترونية.