الفلسفة كافرة.. فمن أين جاءوا بالفلسفة الإسلامية ؟! – بقلم: حمودة إسماعيلي
هناك إجماع، وإجماع كبير جدا، على أن الفلسفة مادة لا رجاء منها في النظام التعليمي، حصة من الأفضل لو أنها لم توجد؛ يشعر الطلبة خلالها بملل وثقل خانق، ترهات تُتعب القلب حول الحرية والدولة والشخص وديكارت وأرسطو وما سواه مما يسدّ النفس. غالبا يوجد لدى الأفراد حس فلسفي فطري، وهو ما يدفعهم لكشف غباء وجود هذه المادة، وتراكيبها السيئة وبنيتها العفنة.. هناك فرق بين الفلسفة التي ندرسها في مؤسسات التعليم والفلسفة العالمية وهي ما أقصد به حس التفلسف.. حس التفلسف هو الأفكار السخيفة التي تقع برأسك بالحمام تتبول أو تتغوط، كما هي أيضا تساؤلاتك بأي مكان تشعر فيه بالسخافة أو العظمة أو مختلف المشاعر؛ عموما حس التفلسف هو الأفكار التي تأتي من حيث لا نعرف من أين وتُشعرنا بالطفو فوق ذاتنا أو بالتغلل فيها، وبأننا كائنات غريبة نوعا ما. لهذا بالتأكيد لا منفعة في مادة الفلسفة لأنها لا تقول شيئا، الفلسفة المعاصرة تتحدث حول التلفاز والهاتف والتعري في الأنترنيت إلخ من المواضيع التي تهم الناس وتغزوهم، وهذه أمور تناقش عند الكُتاب الغربيين حيث حرية التعبير والتفكير أكثر اتساعا، رغم أن حس التفلسف غير مقتصر برقعة معينة، لكننا نتحدث بشكل عام، بالمعطى الظاهر.
هنا الكُتاب العرب، مثلهم مثل كثير من الكُتاب في جل أرجاء العالم، لا يزالون رجعيين فيما هو فلسفي، لا يزال الواحد يعتقد في مهمة الفيلسوف والتعاطي مع المواضيع الكبرى والاهتمامات العظيمة! هذه الاعتقادات ولّى عليها الزمن، تبدو أقرب للمرض النفسي منه لشكل تفكير. العالم يتأسس على ما هو هامشي وصغير ويوميّ، تفاصيلنا الصغيرة ووساونا هي ما يرسم هويّاتنا واهتماماتنا البسيطة اليومية، والعظيمة المصيرية كذلك؛ معنى الحياة يبدأ من انشغالاتنا الروتينية الحياتية، نفس العقل الذي يحمل همّ مستقبلنا ينغمس في احتياجاتنا اليومية التي تتحسس الوصول لصور هذا المستقبل.
الفلسفة من هذا المنظور الذي أتطرق له هنا، وكما هي وكما ستكون وستظل، ليست حكرا على أحد أو جماعة.. هي فلسفة كافرة، جامحة، ساخرة، منفلتة، حرة، مستقلة، لا تحدها منظومة أو مرجعية أو تأطيرات أخلاقية. وهذا هو ما لا يمكن أن يؤسس لتوفر فلسفة مسيحية أو فلسفة إسلامية : لن تتحمل المسيحية السخرية من تضييع المسيح لوقته في التجوال والتربص بالناس وتحدثه معهم كرب وموته ثم استيقاظه كأنه غرندايزر؛ كما لن يتحمل الإسلام رؤية رحلة الإسراء والمعراج ككابوس في مخيلة محمد وهو يحلم ذات ليلة.
ينتفض الناس بأن مثل هذه الأفكار أو التوجهات، فاسدة وتضلل عقول الأفراد ـ ولا ننسى أن الفساد والضلال هنا يأتي من تأطير مسبق بوعي أو بدون؛ هؤلاء لا علاقة لهم لا بالعقل ولا بالفلسفة ولن تكون، ولا علاقة لهم بالتفكير أصلا، فقط يعيشون كصناديق بلاستيكية كتلك التي نخبي فيها الطماطم والبطاطس.. طبعا هذا جانب وصائي تجده في من لم يتجاوزوا فكر الشمبانزي، فبأي حق تنصّب نفسك شرطيا فكريا على ما يصلح للناس أو ما لا يصلح لهم؟ أليس هذا ما نعيب عليه الحكومة حينما تحصر المجتمع في توجهات أيديولوجية ضيقة وحقيرة تخدم سوء تدبيرها السياسي؟! دائما ما يدفع البشر ذلك الحس بتشارك نفس الهبل معهم رغما عنك! إتفوو.
الفلسفة كافرة؟ أبداً، الفلسفة فلسفة هكذا، تكون كافرة من منظور التكفير الإسلامي، والأيديولوجية العربية أيديولوجية تكفيرية طالما أنها تحصر ممارساتها الفكرية بين حدين : مع أو ضد محمد؟ هل أنت مع محمدنا أم ضده أيها الكافر لننعتك بالكافر ؟ هكذا لن تكون لدينا ما ندعوه بفلسفة إسلامية أو معتزلة أو ابن رشد أو ما سواه من سخافات مثيرة للسخرية، تكشف ضآلة فهمنا وخرف تعاطينا العقلي مع الوجود.. الوجود الذي لا يعرف كفرا أو عهرا أو مالكية أو تأويل النص القرآني بما يلائم روح العصر، تأويل إيه يا روح أمك!! منتوج مؤقت ينضغه القطيع بدل دفعه لحس التفرد. في هكذا بيئة فكرية، الفلسفة تُعتبر منقرضة، ما عدا لسمح الله مادة الفلسفة، ذلك الهبل المدرسي.
مع مطلع 2017، وبفلسفة أو بدون، يجب وقف استعمال مصطلح “كافر” خارج مدلوله التاريخي بالكتب التعليمية والمقالات والخطابات والخطب الدينية، ليس فقط لدلالته التحقيرية والمهينة كنعت للمختلفين فكريا أو عقائديا : بل لأنه مصطلح تجاوزه العصر، وليس له أي مدلول واقعي بظل الوضع الراهن طالما أنه محصور بحقبة وأحداث تاريخية معينة، وبقدر ما يكشف عن عدوان وحقد مكبوت نحو المخالفين. الكفار تجاوزهم التاريخ مثلما تجاوز الطراودين والفرس والفراعنة وفرسان الهيكل. الكفار عاشوا بقريش، بعهد أبو لهب وهناك يأخذ المصطلح مدلوله .. ليس بعهد الآيباد والفيسبوك ! على حد قول : “من يهنئ الكفار بعيد الميلاد فهو كافر، ومن لا يُكفِّر الكافر كافر”.
يجب أن يتم استعمال المصطلح أو تدريسه حسب حقبته الزمنية والجغرافية، مثل تناول مصطلحات شبيهة منهجيا كالمُشيرة للفايكنغ أو التَّتر أو المايا أو العثمانيين. رغم ذلك سيستمر البعض باستعمال المصطلح لإهانة المختلفين، كشيوخ السنابشات أو الدواعش الهراطقة أو متقاعدي الحي الذين لم يتلقوا تعليما كافيا، لكن هؤلاء مسموح لهم ماداموا لا يزالون تحت إمرة الأمويين!
ــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة