مقالات تاريخية

تعرّف على النظام الطبقي للعرب قبل الإسلام

تعرّف على النظام الطبقي للعرب قبل الإسلام – محمد شعبان

لكل مجتمع مفرداته الخاصة التي تقسمه طبقات وفئات وفقاً لمعطيات الثروة والسلطة. واستتبع التفاوت في الملكية وفي المعيشة عند العرب قبل الإسلام تمايزاً اجتماعياً بين أفراد القبيلة الواحدة  – خاصة في الحضر – ما أدى إلى انقسام أبنائها الأحرار إلى أغنياء وفقراء، إضافة إلى الانقسام الذي كان قائماً بين الأحرار و”العبيد”.

انقسم المجتمع العربي في الجاهلية ثلاث طبقات نتيجة الوضع الاقتصادي والمكانة الاجتماعية، وكانت كل طبقة تتكون من طبقات أخرى داخلية.

الطبقة العليا

يدخل فيها أبناء القبيلة الأحرار الذين يرتبطون في ما بينهم برابطة الدم والنسب والجد المشترك، وهم عمادها وقوامها. قال الدكتور محمد سهيل قطوش في كتابه “تاريخ العرب قبل الإسلام” إن أبناء هذه الطبقة كانوا يهبّون لتلبية نداء القبيلة والتضامن معها ظالمة أو مظلومة، وفي المقابل تعمد القبيلة إلى حمايتهم وتمنحهم حق التصرف في واحد من أهم مظاهر الشرف والرفعة في هذا المجتمع وهو الإجارة، فكان المجير يدخل في حماية من أجاره من أفراد القبيلة فيدافع عنه ويقاصص من يتعرض له بالأذى، ويلزم بذلك قبيلته، مما عرّض القبائل لكثير من المشكلات، وفرض مسؤوليات وتضحيات عديدة عليها، وكان المجير يعلن الإجارة على الملأ صراحة بقوله: “قد لزمني ذمامك وأنا مانعك مما أمنع نفسي وأهلي وولدي منه”.

وتشكلت الأرستقراطية العربية من رؤساء القبائل وأعيانها وأقاربهم، فمنهم التجار وأصحاب الإقطاعات الكبيرة في الحواضر والمناطق الزراعية والرعوية، وقد تركزت الثروات في أيديهم.

وتمايز أعضاء هذه الطبقة عن فقراء القبيلة ومعدميها في مظاهر عديدة أبرزها تملكهم أعداداً كثيرة من أصناف الماشية لا سيما الإبل، فضلاً عن مساحات واسعة من مناطق الرعي.

وذكر طقوش إن هذا التغلغل المادي أثر في نفوس أصحاب هذه الطبقة، وظهرت آثاره في الديات، ففي حين كانت دية الحر الشريف تصل إلى الألف من الإبل، كانت دية غيره من الأفراد الفقراء أو المعدمين لا تكاد تصل إلى النصف من هذه القيمة.

كما تميز الأعيان بنصب خيامهم في الروابي المشرفة على سائر أبناء القبيلة، واقتناء السجاد النفيس والأواني المعدنية والزجاجية المرتفعة الثمن، وأجود أنواع الأسلحة، وأجمل أسرجة الخيل والإبل.

وقال الدكتور جواد علي في كتابه “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” إن رجال الدين كانوا ضلعاً أساسياً في هذه الطبقة فكان لهم امتيازات خاصة، لأنها ألسنة الآلهة الناطقة على هذه الأرض، والآمرة والناهية، وهم من يحللون ويحرمون، لذا كان لهم أموال وأملاك، ولهم على الناس حقوق يأخذونها منهم، وارتبطت مصالحهم بمصالح الحكام.

الطبقة الوسطى

يشكل الموالي عماد هذه الطبقة. قالت الدكتورة ديزيرة سقال في كتابها “العرب في العصر الجاهلي” إن الموالي هم الذين تعتقهم القبيلة بعد أن كانوا رقيقاً فارتقوا من الطبقة الدنيا إلى الطبقة المتوسطة.

الخلعاء أيضا جزء أساسي من تكوين هذه الطبقة، وهم أفراد تخلعهم القبيلة لسوء سيرتهم، ويكون هذا الخلع علناً أمام الناس وفي الأسواق والمجامع. ومعنى الخلع هو التبرؤ من الفرد، فلا تدافع عنه قبيلته، ولا تجيره، ولا تقع عليها تبعات أعماله. والخلع أقصى عقوبة يمكن أن تلجأ إليها القبيلة، لأن المخلوع عندئذ يشبه في أيامنا الفرد الذي نفته الحكومة من وطنه، وقد يستجير الخليع بقبيلة أخرى، فيوفيها جميع حقوقها، ذكرت سقال.

وينتمي الصعاليك إلى الطبقة الوسطى. قال طقوش إنهم فئة من الفقراء أفرزهم توزيع الثروة والتمايز الاجتماعي، فانسلخوا عن قبائلهم تعبيراً عن تململهم من الفقر والجوع والحرمان والشقاء والازدراء الذي كانوا يعانونه، واحترفوا اللصوصية ليغنموا عنوة ما حُرموا منه.

الأغربة أيضاً ينتمون إلى هذه الطبقة. وهم أصحاب البشرة السوداء الذين ورثوا سواد البشرة من أمهاتهم الإماء، فلم يعترف بهم آباؤهم العرب ولم ينسبوهم إليهم لأن دماءهم ليست عربية خالصة، حسبما ذكر طقوش.

 الطبقة الدنيا

تشكل هذه الطبقة شريحة كبيرة في المجتمع القبلي في العصر الجاهلي، وتضم العبيد أصحاب البشرة السوداء والرقيق الأبيض والأسود. ذكر جواد علي أن العبيد هم حاصل الحروب، فإذا وقع إنسان أسيراً في غزو أو حرب صار ملكاً لآسره، إن شاء مَنّ عليه ففك رقبته، وإن شاء ملكه فصار عبداً له يحتفظ به إن أراد، أو يهديه لغيره فيصير في ملك من أهُدي له، أو أن يبيعه، فيقبض ثمنه، فتنتقل ملكية العبد إلى شاريه.

التجارة مورد آخر أمد الجاهليين بالعبيد، واختص بها قوم عرفوا بالنخاسين، كانوا يأتون بالرقيق من مختلف الأماكن ويبيعونه وكانت تجارة رابحة.

ومن العبيد قوم كانوا مدينين فلم يتمكنوا من سداد ديونهم فبيعوا رقيقاً، ومنهم من صار رقيقاً لعدم تمكنه من دفع مال يجب عليه تأديته، كالذي روى من تقامر أبي لهب والعاص بن هشام على أن من قُمر صار عبداً لصاحبه، فقمره أبو لهب فاسترقاه واسترعاه ابله.

وذكر علي أن كثيراً من ملاك الرقيق كانوا ذوي قلوب غلاظ لا يرحمون عبيدهم ولا يرفقون بهم، وإذا شهد العبد غزواً أو حرباً وغنم فلا يعطى حقه له، وكان يؤخذ سهمه ويعطى إلى سيده، ولم يكونوا يثقون بأمانة رقيقهم، لذلك حقد الرقيق على سادتهم، وانضموا إلى أعدائهم إن وجدوا فرصة مؤاتية لهم أملاً بإصلاح الحال. ولما حاصر الرسول الطائف نادى مناديه “أيما عبد نزل فهو حر وولاؤه له ورسوله” فنزل جمع منهم وأسلموا وصاروا أحراراً.

ويقول طقوش في كتابه إن العبيد سكنوا أكواخاً حقيرة وعاشوا بضنك، نتيجة الحرمان والجوع، وجُردوا من جميع الحقوق، وفُرضت عليهم واجبات مرهقة سلبتهم إنسانيتهم وباعدت بينهم وبين الحد الأدنى من الحياة الكريمة، فليس للعبد أن يتزوج إلا بإذن سيده على أن يتزوج عبدة مثله.

المجتمع البدوي: انعدام الفوارق الطبقية

التقسيمات الطبقية التى عرفها المجتمع الحضري لم يعرفها المجتمع البدوي أي مجتمع الأعراب. قال علي إن هذا المجتمع كان ساذجاً وليس في تكوينه تعقيد ولا تعدد طبقات، إذ صقلت البادية أهلها وبسطت لهم أسلوب الحياة، وقلصت من الفوارق الطبقية، ومن ثم لم تشهد بلاد البدو اختلافاً كبيراً في منازل الناس، وتركزت الطبقات في سادات القبائل وهم رؤساء القبيلة وأشرافها وأحدهم سيد القبيلة أو رئيسها، ثم أشراف العشائر ولهم أموال ورقيق يخدمونهم.

أما سواد القبيلة، فهم منتشرون في أرض القبيلة على هيئة مجتمعات صغيرة متفرقة مبعثرة نظراً لضيق العيش الذي لا يساعد على تجمع أفراد القبيلة تجمعاً كبيراً في محل واحد، تظهر فيه الحرف وتتنوع الأعمال التي تكون في مجتمع الحضر.

ولسادات القبائل المال وهي الإبل يشربون من ألبانها، ويأكلون لحومها، وهم الذين باستطاعتهم الذهاب إلى القرى والمدن ومواطن الحضارة للعيش فيها زمناً، ولشراء ما يجدون في أسواقها من سلع ثم يعودون إلى وطنهم ليرعوا مالهم وينظرون في شؤون قبيلتهم، ذكر علي.

وقد استخدم الأعراب العبيد أيضاً، ولكنهم لم يكثروا من استخدامهم مثل أهل الحضر، لعدم وجود حاجة كبيرة عندهم إليهم. وأشار علي إلى أن عبيد الأعراب كانوا أكثر حرية وأحسن حالاً من عبيد أهل الحضر، ذلك لأن البادية لم تكن تعرف الأعمال المرهقة ولا الحرف الكثيرة مثل الحضر، لذلك صارت الأعمال التي يقوم بها عبيد الأعراب أقل بكثير من الأعمال التي يقوم بها أهل القرى، وصار العبد فى البادية ألصق بصاحبه من مثيله في القرية، حتى صار وكأنه جزء من أهل البيت الذي اشتراه أو ورثه.

المصدر: رصيف 22

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة

Public library

موقع المكتبة العامة يهتم بنشر مقالات وكتب في كافة فروع المعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى