باحثون بجامعة هارفارد توصلوا إلى مصدر الوعي البشري – ترجمة: جمال قسيس
ما هو الوعي البشري ومن أين يأتي؟ حاولت بعض من أعظم العقول على مر العصور سبرغور هذا السؤال، وكافحت للعثور على إجابات. و تقدم اليوم مختلف التخصصات تعريفات مختلفة.
تقول إحدى النظريات أن الوعي هو عملية فوق معرفية أو هو القدرة على تأمل عملية التفكير الخاصة بنا. وتنص أحد النظريات على أنه قدرتنا على ملاحظة حالة الفناء الخاصة بنا، وأُخرى تقول هو القدرة على تخيل السيناريوهات المستقبلية، ووضع الخطط لها.
ويعرف علم الأعصاب الكلاسيكية الوعي باعتباره عملية مستمرة من اليقظة والإنتباه. لكن أصله بكل الأحوال بقي صعب التحديد. أما الآن، اكتشف باحثون في كلية الطب بجامعة هارفارد، جنباً إلى جنب مع زملائهم في مركز بيث ديكانونيس الإسرائيلي الطبي الشبكة العصبية التي ينشأ منها الوعي.
عرفنا منذ وقت مضى أن جذع الدماغ ينظم عملية الإثارة، وهو ما دعاه جراح الأعصاب ريتشارد بيرجلاند Richard M. Bergland “بولاعة الوعي”، وهو أقدم وأعمق جزء من الدماغ، أي نقطة بداية الحبل الشوكي، حيث يتحكم جذع الدماغ في التنفس، ووظيفة القلب، ودورة النوم واليقظة. ولكن ظل المكان الذي ينشأ منه الوعي لغزاً لفترة طويلة. حيث تقول التكهنات السابقة أنه ينشأ من القشرة الدماغية، أحدث أجزاء الدماغ، ومن طبقته الخارجية.
وجد علماء الأعصاب ولأول مرة اتصال بين هاتين المنطقتين، ووفقاً لما قاله مايكل د. فوكس، الدكتوراه في الطب، والباحث في هذه الدراسة: “هناك الكثير من الأدلة التي تشير جميعها إلى هذه الشبكة”. ولإجراء الدراسة قام فوكس وزملاؤه بدراسة 36 مريضاً يعانون من آفات في الدماغ. كان 12 من هؤلاء في حالة غيبوبة والأربع والعشرون الباقون في حالة واعية.
أظهر الأشخاص الذين كانوا في حالة غيبوبة ضرراً في منطقة صغيرة من الدماغ تعرف باسم السقيفة الجسرية الظهرانية الوحشية المنقارية. وقال فوكس: “عندما تتعرض هذه المنطقة للتلف، يصبح كل مريض تقريباُ في حالة غيبوبة” واحدٌ فقط من المرضى الأربع والعشرون الواعون لم يظهر ضرراً في هذه المنطقة من جذع الدماغ. ونتيجة لهذا، وضع الباحثون أساساً للمنطقة الصغيرة التي تلعب دوراً حيوياً في الوعي. بعد ذلك، تحول علماء الأعصاب إلى خريطة المسارات العصبية المترابطة للإنسان للتحقق من الاتصالات بين تلك المناطق. ووجد الباحثون منطقتين في القشرة الدماغية متصلتين بهذا الجزء من جذع الدماغ، التي أدت بهم إلى الاعتقاد بأن هذه المناطق الثلاث تشكل الشبكة العصبية الذي ينشأ منها الوعي.
لم يعرف بعد أين تنتهي هذه الاتصالات في القشرة الدماغية بالضبط. فأحدها ينتهي في جزء يسمى الجزيرة الأمامية اليسارية البطنانية وينتهي البعض إلى القشرة الحزامية الأمامية الركبية. وترتبط كلا المنطقتين مع الوعي. ولكن هذه هي المرة الأولى التي يجتمعون معاً في الشبكة العصبية، ناهيك عن أيهما يخلق ويحافظ على الوعي.
في مقطع آخرتابع لتلك الدراسة، درس الباحثون أدمغة 45 مريضاً في حالة غيبوبة من خلال الرنين المغناطيسي الوظيفي، ووجد الباحثون أن هذه المناطق الثلاث معطّلة في جميع المرضى.
يجب أن تقوم أبحاث أخرى بالتحقق من هذه النتائج. ومع ذلك، تبدو هذه خطوة رائعة إلى الأمام مما يؤثرليس على علم الأعصاب فحسب، بل على الطب وحتى الفلسفة. يعتقد فوكس وزملاؤه أنه يوماً ما قد نصل لفهم أفضل لأولئك الذين في غيبوبة أو حالة خمول. وحتى قد نجد خيارات علاج جديدة لمساعدة هؤلاء المرضى على “الاستيقاظ”.
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة