(1)
هناك نكتة متداولة تقول انه في سوق بيع الأعضاء البشرية فإن (العقل العربي) هو الاغلى سعرا على الاطلاق .. يعقبها سؤال عن السبب .. ثم يتكفل صاحبها بالإجابة وهي : لأنه لم يستخدم .. فهو جديد ( بقراطيسه ) !!
(2)
وأعتقد ان مؤلف هذه النكتة هو عربي آخر يجلد عقله بشكل جيد لكنه أسرف في حسن الظن بالعقل العربي من حيث اعتباره
الأغلى سعراً في ذلك السوق .. تماماً مثل من أسرف بسوء الظن، وقام بقولبة تلك النكتة، بحيث جعل العقل العربي هو الأرخص سعراً ، اما السبب فلأنه لم يتم استعماله وطال إهماله حتى صار صدئاً وغير صالح للإستعمال !
(3)
لندع الآن تلك النكتة جانباً، وادعوك لتتأمل معي هذه المعلومة المنقولة عن العالم الروسي بيتر أنخونين : ( إن المخ إجمالاً يستطيع القيام بعمليات إتصال بين خلاياه العصبية يصل احتمالاتها الى رقم لو عبرنا عنه كتابة لجاء في شكل واحد وبجواره عدد من الأصفار يمتد الى مسافة عشرة ملايين ونصف المليون كم )
(4)
وأظنني في غنى عن القول انه من المستحيل إستخدام كل تلك المقدرة العقلية، حتى بالنسبة لإولئك الذين تأكدت عبقريتهم، من خلال انجازاتهم الكبيرة في مختلف المجالات الإنسانية، مما يشير الى استخدام جيد وفاعل للعقل، لكنني كلما تأملت تلك المعلومة، اجدني افكر بالعقل العربي الحاضر وأتساءل : ترى، ما نسبة ما يستخدمه العربي من تلك القدرة ؟
(5)
الآن ـ ومرة اخرى ـ لندع تساؤلي ذاك جانباً ولأحدثك عن امر آخر وهو أن هناك ملفاً اصدرته منذ مدة مجلة ( العلم والحياة ) الفرنسية وجاء على غلافه وبالخط العريض ( La genie arabe ) اي ( العبقرية العربية ) و سبقه عنوان بالخط الرفيع يقول ( عالم الف ليلة وليلة .. تحقيق في عصر ذهبي ) وعند تقليبك لذلك الملف تجد انه يركز على العصر العباسي ويسعى الى اكتشاف معالم الرقي، في ذلك العصر الذهبي من خلال عدة دراسات و مقالات علمية، تتوزع مابين المجال العمراني والعلوم والتجارة والطب والأدب .
(6)
إنه أمر جميل ، أليس كذلك؟ فها هي مجلة فرنسية، تتحدث عن العبقرية العربية الغابرة، وتؤكد لنا انه كان هناك عقل عربي يستخدم بشكل مثري .. وقد تضمن ذلك الملف ــ الذي يستحق التقدير والإشادة كعمل كبير أنجزته جهود مخلصة ومنصفة ــ الكثير من المعلومات عن ماضينا الجميل نجهل اكثرها .. و مجلة (القافلة السعودية التي اوردت تحقيقاً عن ذلك الملف تساءلت بما معناه : لماذا لم نكن السباقين لمثل ذلك العمل طالما انه امر يخص ماضينا ؟! وأين العقل العربي الحاضر، عن انجازات العقل العربي الغابر، كتوثيق على اقل تقدير ؟ وهي في رأيي تساؤلات في محلها، مع شئ من الشك في جدواها، في ظل تفاخرنا بماضينا الجميل، من غير حتى دراية ومعرفة تامة به! ونظل إذا ما ماعرفنا شيئاً موثقاً عنه، فإن ذلك يتم عن طريق جهود الآخرين وليس بجهود بحث واستقصاء علمي منا !
(7)
( الإرادة حقاً تفعل أي شئ إذا ثابرنا ) تقول غادة السمان ، وإذ اتفق معها فإني اتساءل :ماذا عن إرادة العقل العربي، في ان يستخدم شيئاً من تلك القدرة العقلية المشار اليها اعلاه ؟ وأظن بإن الإجابة تكمن في ذلك الملف
الذي يتحدث عن عبقريتنا، في عصر ذهبي، توالت بعده عصورنا الرمادية .. إن بقاء اثر تلك العبقرية، و وصوله الى الآخرين، مع تقادم زمنه يؤكد انه (كان) للعقل العربي إرادته، ومقدرته، ومن ثم فعله، لذلك كانت له قيمته الكبيرة التي بقيت على شكل شواهد عصر، صار ذهبياً ، بفضل انجازات ذلك العقل ..
(8)
وإذ لا أدري الى متى سنظل نردد كان ، وكنا ، وكانت ، وبقية عائلة الماضي ، فإني سأتساءل في الختام : ماذا لو لو عدنا ـ إن سمحت لي ـ لتلك النكتة الساخرة بعاليه ، وافترضت، تبعاً لإفتراضيتها، أن عقلك هو المعروض في السوق ، كم ستقدِّر أن تبلغ قيمته؟
ــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة