أزمة اقتصاد البلاد التونسية بين 1960 – 1970 – بقلم: منصف سلطاني
المقدمة :
يعتبر الإقتصاد عنصرا أساسيا لتقدم الشعوب البشرية و على وجه الخصوص للدول المتحررة من الإستعمار .
كانت تونس من أهم الدول التي تحصلت على استقلالها في النصف الثاني من القرن العشرين .
ولكن خلال السنوات الأولى من الإستقلال كانت البلاد تعاني من تدهور على جميع المستويات سواءا المجال الإقتصادي و الصحي و الإجتماعي .
و للخروج من هذا الوضع وجب على النخب السياسية آنذاك النهوض بالاقتصاد من أجل تطوير البلاد و النهوض بالمجتمع .
ومن أجل هذا سارعت السلطة السياسية إلى إنشاء علاقات ذات طابع إقتصادي مع القوى الأوروبية و بالأخص مع أقطار أوروبا الغربية .
و تعتبر العلاقات التونسية و الأوروبية تاريخية .و قد انطلقت هذه العلاقات على وجه الخصوص في منتصف القرن 19 أي منذ محاولات البايات التونسيين المصلحين و خاصة مع إصلاحات خير الدين باشا سنة 1870 و التي أصبحت فيها علاقات تونس مع القوى الأوروبية أكثر تطورا
كما شهدت تطورا خلال الفترة الإستعمارية بين 1881 و 1956 . و خلال هذه الحقبة تأثرت البلاد التونسية هذه المرة بالنفوذ الفرنسي على مستويات شتى الإقتصادي و الإداري و الثقافي .
و بعد حصول البلاد التونسية على إستقلالها التام في 20 مارس 1956 عرفت العلاقات بين البلاد التونسية و القوى الأوروبية تطورا ملحوظا غير هذا التطور شهد عدة صعوبات و تقلبات انطلاقا من سنة 1961 وهو تاريخ إندلاع أزمة بنزرت السياسية و التي تسببت خصوصا في قطع العلاقات الإقتصادية بين تونس و فرنسا لمدة سنة كاملة .
و لكن رغم ذلك فقد حاولت السلطة السياسية توطيد علاقات تونس الإقتصادية مع عدة بلدان أوروبية . و أمضت بعد الإستقلال عديد المعاهدات ذات الطابع الإقتصادي و من أبرزها نذكر اتفاقية روما سنة 1957 و اتفاقية 1976 و اتفاقية 1976.
و قد كان الهدف الأياسي من توقيع هذه المعاهدات هو إنشاء علاقات إقتصادية متينة مع الأقطار الأوروبية .و لكن كل هذه المعاهدات تسببت في تدهور الميزان التجاري التونسي بعد السينات أي بعد فشل التجربة التعاضدية ذات التوجه الاشتراكي التي قادها وزير الاقتصاد التونسي ” أحمد بن صالح ” .
و في هذا الإطار يمكن طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بأزمة الإقتصاد التونسي خلال فترة الستينات و السبعينات من القرن العشرين.
بل يمكننا كذلك إقامة فاصل زمني بين فترة الإستقلال التونسي و بين صعوبة توطيد العلاقات الإقتصادية مع أوروبا .
و هل أن هذه العلاقات ساهمت في بناء إقتصاد تونسي عتيد مؤسس على المنافسة و قيمة الكفاءات أم ساهمت هذه العلاقات في إنشاء إقتصاد هش لم يطور البلاد التونسية نحو الأفضل ؟؟
1 : تونس تواجه صعوبات في بناء علاقات إقتصادية مع القوى الأوروبية :
بعد أكتوبر 1963 أي منذ انتهاء أزمة بنزرت السياسية و خروج آخر جندي فرنسي من التراب التونسي تم توجيه العمل الديبلوماسي التونسي لبحث العلاقات مع القوى الأوروبية و بالأخص مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية لدراسة المحتوى الذي يمكن أن يتخذ محور العلاقات الإقتصادية مع هذه الأقطار.
و سرعان ما قبلت اللجنة المتكونة من هذه الدول ذلك و شددت على الموقف الإيجابي لكل عضو فيها رغم عدة تحفظات .
و قد أكد كل من ممثلي لكسمبورغ و بلجيكا في هذه اللجنة دعمهم لتونس .
وفي ذات السياق أعرب الممثل الدائم لألمانيا عن موقف بلاده الجيد تجاه تونس و أبرز أن تونس لا يبدو أنها تواجه صعوبات ذات منحى إقتصادي في سنوات 1960 .
و لكن هولندا لم تعلن عن موقفها تجاه البلاد التونسية قبل التطرق إلى نتيجة المفاوضات مع البلدان الأوروبية .
و بطبيعة الحال فقد كانت نية الديبلوماسية التونسية هي محادثة كل من المجلس الأوروبي و اللجنة في ذات الوقت . غير كل القرارات الصادرة عنهما كانت في النهاية بيد الدول الأعضاء . و مع ذلك لا يبدو أن الطلب التونسي قد لقي الإهتمام الكافي سواءا من اللجنة و المجلس . لذلك بقي الأمر غامضا بالنسبة لليبلوماسية الإقتصادية التونسية .
لذلك كانت الجلسة الأولى من المحادثات التي تم عقدها في 13 ديسمبر 1963 غير منتظرة بالنسبة لتونس حيث انتهت بالفشل إذا نظرنا إلى التقرير .
و يبدو أن إجتماعات الجلسة الأولى المتتابعة كانت عبارة عن مجرد مقابلة عمل . اي لم تكن محادثات متكافئة فهي لم تتسم بنوع من الندية الإقتصادية .
ويعود تفسير ذلك بالأساس إلى غياب خبراء ذوي كفاءة على مستوى عال في المجال الإقتصادي بالنسبة للدولة التونسية .
و من ناحية أخرى كان هدف الديبلوماسية التونسية في عقد محادثات مع بلدان أوروبا الغربية توطيد العلاقات الإقتصادية مع فرنسا بدرجة أولى .
فقد وقع استئناف العلاقات مع فرنسا عام 1966 رغم أنه يستهدف عدد أقل من حجم المبيعات مقارنة بإتفاقية 1959
في الحقيقة كان العمل الديبلوماسي التونسي يتجه نحو فرنسا . ومن الواضح كذلك أن الرئيس التونسي ” الحبيب بورڨيبة ” لم يبذل أي جهد لدعم الجهود الديبلوماسية التونسية في بروكسيل .
و ختاما يمكن تلخيص رؤية العلاقات الإقتصادية بين تونس و القوى الأوروبية بشكل واضح من خلال حديث الزعيم الحبيب بورڨيبة مع مكتب البث التلفزيوني و الإذاعي الفرنسي .
و بصفة عامة سيكون هدف الطلب التونسي في كل المحادثات ذات الطابع الاقتصادي أساسا تطوير نظام جمركي في مجالات متعددة كالمجال الفلاحي و المساعدة المالية لتسهيل الإستمثار الصناعي خاصة .
و يحظى الإستثمار ر بمكانة بالغة في الإقتصاد حيث يساهم في تنشيط عجلة التنمية الداخلية . و رغم هذه الجهود التي بذل العمل الديبلوماسي التونسي فقد تدهور الميزان التجاري التونسي خلال مرحلة السبعينات .
2 – اتفاقية 1969 و عجز الميزان التجاري التونسي :
تهدف هذه الاتفاقية الثنائية أساسا إلى تطوير العلاقات التجارية بين تونس و القوى الأوروبية على مبادئ أساسها المساواة و المعاملة بالمثل .
و تنص معاهدة 1969 على مبدأ المعاملة بالمثل فيما يتعلق بالرسوم الجمركية .
و في الواقع التجأت الدولة التونسية إلى توقيع هذه المعاهدة اللامتكافئة بعد فشل التجربة التعاضدية ذات التوجه الإشتراكي و التي تسببت في تدهور الإقتصاد التونسي رغم تحقيق بعض المكاسب مثل تركيز بنية تحتية متواضعة .
وقد تم تشكيل لجان متكونة من ممثلي الطرفين المتعاقدين لضمان حسن سير هذه المعاهدات و نص كذلك معاهدة 1969 على الإعفاء من الرسوم الجمركية و تطبيق تعريفات على المنتجات المحددة مسبقا .
و بصفة عامة في ظل غياب التدابير اللازمة المصاحبة لاتفاق 1969 لا يبدو أنها متماشية مع روح التعاون و نظام المساواة في المبادلات التجارية
و بالتالي خلال الذي تم ملاحظته في هذه الاتفاقية دعت بعض الأقطار الأوروبية إلى محادثات جديدة خوصا داخل المجموعة الإقتصادية الأوروبية من أجل إصلاح الوضع و توفير مجال موات للتجارة بين تونس و بلدان أوروبا الغربية كفرنسا خاصة و ذلك بعد تدهور المبادلات بين الدولة التونسية و أوروبا .
و قد تواصل عجز الميزان التجاري التونسي منذ فشل التجربة التعاضدية و دخول اتفاقية 1969 قيد التنفيذ
ففي سنة 1970 تراجع معدل الدعم إلى 44،7 ℅ لتونس في حين كان 52،4 ℅ عام 1961 اي منذ دخول تجربة الوزير أحمد بن صالح حيز التنفيذ .
كما تضاعف الميزان التجاري التونسي بأكثر من النصف بين 1968 و 1971 من 31،6 مليون دينار إلى 66،6 .
و في نفس الإطار فقد زادت الواردات التونسية من أقطار أوروبا الغربية بنسبة 18،6 سنة 1970 و 14،5 سنة 1971 .
و انخفضت صادرات البلاد التونسية من الخمور تجاه أوروبا من 670 هكل سنتي 1969 – 1970 إلى 370 هكل في عامي 1971 – 1972.
و هكذا منذ فشل التجربة الإقتصادية التونسية عام 1969 لم يحقق الميزان التجاري فائضا حيث فاقت الواردات الصادرات و دخل الإقتصاد التونسي في أزمة حقيقية خاصة منذ دخول البلاد في الإصلاح الهيكلي في مرحلة الثمانينات و التسعينات.
خاتمة :
حاولت السلطة السياسية الحاكمة بقيادة الزعيم الحبيب بورڨيبة بناء إقتصاد تونسي متطور يتميز بالنجاعة في الإنتاج .
غير أن هناك عدة عوامل ساهمت في عرقلة هذا البناء و من أبرزها فشل التجربة الإقتصادية التعاضدية التي كانت عواقبها وخيمة بالنسبة لتونس.
و حاولت النخب السياسية تجاوز هذا الفشل في سبعينات القرن الماضي فركزت كل جهودها إلى تعميق العلاقات الإقتصادية التونسية مع دول البحر المتوسط ولكن باءت هذه المحاولات بالفشل حيث ازداد عجز الميزان التجاري التونسي ولم يحقق فائضا منذ سنوات 1970 .
المصادر :
1 – اتفاقية روما 1957
2 التيمومي ( الهادي ) ، تونس 1956 – 1987 ، دار محمد علي للنشر ،تونس ، 2006 .
3 – الزعبي ( هشام ) ” هل عرفت تونس الإشتراكية زمن التعاضدية ” ، موقع الأوان، 2014