تعرّف على خطة «الحلابسة» لإصلاح التعليم في مصر – بقلم: خيال بعيد
أولا – اعتذر عن استعمال مصطلح (الحلابسة ) وهو مصطلح مصري شعبي دارج ولا اعرف على وجه التحديد ما هو المعنى الذي يقصده الشعب المصري بهذه الكلمة ولكن يخيل اليا انهم يقصدون بها الشخص الذي يستعمل طرق غير تقليدية في معالجة الامور فإن كان تخيلي خاطئ فأنا استعملها في الاشارة لهذا المعنى خاصة اي (استعمال طرق غير تقليدية في معالجة الامور ) وكذلك هناك سبب اّخر لاستعمالي لهذا المصطلح وهو السخرية من الخبراء والمتخصصين الذين يصدعون رؤوسنا بالكلمات الكبيرة الطنانة المعقدة عند بحثهم في مشاكل المجتمع المصري ثم بعد كل ذلك تجدهم يأتونك بحلول تثير الضحك والسخرية وتجعلك تتعجب من هذه العقول التي تدعي العلم والمعرفة في فن الاصلاح والتصليح والاستصلاح ثم يهبطون عليك في النهاية بحلول عجيبة تؤدي الى الافساد والتفسيد والاستفساد اكثر مما كان عليه الحال قبل حلولهم العبقرية !! وأفكارهم الابداعية !! وليس موضوع تقنين الحشيش عنا ببعيد وربنا يلطف بينا
ثانيا –لدي تصور عن كيفية اصلاح التعليم في مصر وهي مجرد أفكار لا افرضها على احد ولا ادعي انها هي الحل المناسب وانما يكفي فقط ان اعرضها على القارئ ليتفكر فيها فربما يقوده التفكير الى حلول افضل وربما تلفت هذه الافكار نظر القارئ الى اشكالية لم يكن منتبه اليها او ثغرة لم يكن ملتفت اليها او فكرة تفتح امامه الباب لافكار اكثر نفعا واكثر جدوي من الغثاء الذي نسمعه ونشاهده ونقرؤه كل يوم او في اضعف الحالات والفوائد يمكن ان تعتبر هذه الافكار نوع من التغيير تريح به عقلك من سماع السخافات التي اعتدنا عليها من المختصين والمتخصصين او المتصدرات والمتصدرين فإن لم تقتنع بكل هذه الفوائد فيمكنك ان تعتبر ما اطرحه هنا هو مجرد افكار سخيفة من ضمن سيول الافكار السخيفة التي تسمعها كل يوم واعتدت عليها
ثالثا – وقبل ان نطرح هذه الافكار لابد من مقدمة وجيزة عن عيوب التعليم المصري حتى نتصدى بعد ذلك لطرح افكار تعالج هذه العيوب فأقول ان اول عيب نجده في نظام التعليم المصري هو انقسام التعليم الى تعليم ديني وتعليم مدني وتوجيه ذوي القدرات العقلية الضعيفة الى التعليم الديني وتوجيه ذوي القدرات العقلية المرتفعة الى التعليم المدني وثاني هذه العيوب هو عدم مناسبة التعليم لسوق العمل فانظر لهذا الكم الرهيب من الجامعات ووالمعاهد التي تدرس علم نفس وعلم اجتماع وخدمة اجتماعية ثم يتخرج طلبة هذه الجامعات والمعاهد ويطالبوا الدولة بحق العمل !! وماذا يمكن ان يعمل هؤلاء !! وما هي المهنة المناسبة لهم وياليتهم تعلموا شئ مفيد وانما نحن فتحنا عقولهم فقط لرطانة لا معنى لها او افكار جنونية مريضة – وثالث عيوب التعليم في مصر هو الحشو اي حشو عقل الطالب بكمية مهولة من العلوم وياليتها كانت علوم حقا !! وانما الغالب اننا نحشو عقل الطالب بما لا معنى له فأن كان لها معنى وكانت علوم بالحقيقة فلما نشتته بين علوم مختلفة ولما لا نقتصر فقط على تعليمه المهنة التي يمكن ان يرتزق منها فيما بعد وهل يجب ان يكون كل الناس علماء وهل كانوا في العصور القديمة يعلمون كل الصبيان علوم الفقه والكلام والرياضة والطبيعة ام انهم كانوا يوجهون اغلب الصبيان للحرف والصناعات وقلة منهم للعلم فانظر الاّن لهذا الكم المهول من الطلبة الذين يملؤن الجامعات وتفرس في مستوياتهم العقلية فسوف تعرف ان اغلبهم خلق للحرفة والصناعات ولم يخلق من اجل العلوم وهذا عيب خطير في نظام التعليم بل هو اشدها خطرا لأنك تعلم من لا يستحق التعليم وتشوش الامر على من يستحقه بذلك التكديس للطلبة في الجامعات
رابعا – يجب ان ننظر كيف نتخلص من هذه العيوب – فأقول يجب انهاء الانقسام بين تعليم ديني وتعليم مدني وذلك بتوحيد التعليم طبعا مع الاهتمام بالعلوم الشرعية اكثر مما عليه الحال في ما يسمى بالتعليم المدني ولكن يجب ان يتم ذلك ايضا بأمر اّخر وهو ان نقسم التعليم الى اربع مراحل وهي المرحلة التأسيسية والمرحلة التعميدية والمرحلة التكميلية والمرحلة الاستاذية وأما المرحلة التأسيسية فإني اعني بها ما يسمى الاّن بالمرحلة الابتدائية والاعدادية فيتم دمجهما في مرحلة واحدة تحت اسم المرحلة التأسيسية وفي هذه المرحلة نقوم بتدريس مبادئ كل العلوم حتى يكون لدى الطالب معرفة مبدأية بكل العلوم او المهم منها وأما المرحلة التعميدية فإني اعني بها ما يسمى الاّن بالمرحلة الثانوية فبعد التأسيس يأتي دور التعميد ولكن في هذه المرحلة يجب ان نقوم بتغيير جوهري وهو ان تكون هذه المرحلة هي مرحلة التخصص فلا يدرس الطالب كل العلوم كما هو في الحال في المدراس الثانوية الاّن بل هو يدرس فقط الحرفة التي سوف يعمل بها او العلم الذي سوف يتخصص فيه بعد ذلك ولا يدرس شئ سواه فمن سوف يعمل في النجارة يدرس النجارة فقط ومن سوف يعمل في الحدادة يدرس الحدادة فقط ومن يعمل في التجارة يدرس التجارة فقط ومن ينوي التخصص في علم الرياضيات مثلا يدرس الرياضيات فقط او يمكن عمل مدرسة تعميدية للعلوم النظرية عامة مثل المنطق والرياضة والطبيعة وما وراء الطبيعة ومن شرط هذه المدرسة النظرية ان يكون عدد طلبتها اقلاء لأن الذي يصلح لهذه العلوم نادر الوجود والغالبية العظمى يتم توجيهها لتعميدية حرفية يتعلم صنعة يعمل بها بعد تخرجه فاذا حصل الطالب على شهادة التعميدية فلا يلزم ان يكمل الدراسة بعد ذلك وانما يكون اكمال الدراسة للمتفوقين فقط اما اغلب من يحصل على شهادة التعميدية فيتم توجيهه لسوق العمل مباشرة بعد ان يكون قد اتقن الحرفة التي تعلمها وبذلك لن ينتقل الى المرحلة التكميلية (والتي هي موازية لما يسمى بالمرحلة الجامعية الاّن) الا عدد قليل من الطلبة وخاصة في العلوم النظرية مثل الرياضة والطبيعة وعلم النفس والاجتماع ثم بعد ذلك نستخلص ممن حصلوا على الشهادة التكميلية (اي الجامعية بلغة اليوم) اكثر الطلبة ذكاءا وفهما لكي يكونوا اساتذة ويحصلوا على درجة الاستاذية وبذلك نضمن انه لن يصل الا الاذكياء فقط
خامسا – فوائد هذه الخطة – يمكنك ان تدرك فوائد هذه الخطة عندما تدرك انها سوف تنفي عيوب التعليم الان وهي اولا نفي الانقسام التعليمي الى ديني ومدني وثانيا مواكبة سوق العمل وثالثا تقليل تكاليف التعليم لانه لن يصل الى التعليم الجامعي الا قلة فقط ورابعا حماية عقول النشأ والشباب من صداع الحشو ومن السموم الموجودة فيما يسمى علم نفس وعلم اجتماع او غيرها من العلوم لأنه لن يتصدى لهذه العلوم الا قلة نادرة فقط والغالبية سوف توجه للحرف والصناعات – اما خامسا فهو انهاء سنوات التعليم في سن مبكرة فاغلب الطلبة سوف ينهون تعليمهم في سن الثامنة عشر وهي نهاية المرحلة التعميدية وبذلك يدخل سوف العمل في سن مبكرة ولا يضيع شبابه في تعلم امور لا فائدة منها في عمله – وسادسا سوف يكون هناك تعليم ديني اجباري في المرحلة التأسيسية يقضي على حالة الجهل الديني الموجودة الاّن لدى طلبة التعليم المدني – وسابعا سوف يظهر المتفوقون لا محالة ولن يضيعوا بين طوفان الغوغاء كما هو الحاصل الان في الجامعات وهؤلاء المتفوقين هم الذين سوف يكونون سلاح الدفاع الاول ضد الغزو الفكري – ثامنا – اغلب المدراس التعميدية سوف تكون منتجة لأنها سوف تدرس حرف وصناعات فيمكن ان يقوم الطلبة بعد عام او عامين من الدراسة بالعمل في هذه الحرفة داخل المدرسة وبالتالي يقومون بصناعة شئ او تقديم خدمة ما يمكن للمدرسة ان تكتسب منها مالا يكون للطلبة فيه نصيب وتخيل معي مدرسة تعميدية متخصصة في حرفة اصلاح السيارات او اجهزة الموبايل او التلفاز او متخصصة في صناعة مادة معينة او جهاز معين وكيف يمكن للمدرسة ان تبيع المصنوعات او تقدم خدمات للجمهور بمقابل مادي ويمكن كذلك ان تقيم معرض للمدرسة يحضره الجمهور ويشترون منه الانتاج
سادسا – اذا قمنا بتطبيق هذا النظام فلن يكون هناك شئ اسمه مدارس ازهرية ومعاهد ازهرية بل سوف يكون الازهر هو عبارة عن جامعة فقط لتدريس العلم الديني مثله مثل جامعة القاهرة او عين شمس وكذلك سوف يكون هناك مدارس تعميدية متخصصة في العلوم الدينية لأن التخصص سوف يبدأ من المرحلة الثانوية وليس الجامعية ولا مانع من ان تكون الجامعات متخصصة بمعنى ان يوجد جامعة واحدة للطب وجامعة واحدة للرياضيات وجامعة واحدة للعلم الطبيعي وجامعة واحدة للغات خاصة ان عدد الطلبة الذين سوف يصلون للمرحلة الجامعية سوف يكون قليل جدا والغالبية سوف تكتفي بشهادة التعميدية اما اختيارا او قهرا بوضع شروط تفوق تعجيزية امامهم لن يستطيع تجاوزها الا المتفوق فقط ولا اعتبار للمال هنا فالتعليم كله يكون مجانيا ولا اعتبار الا للتفوق فقط بل يجب ايضا اعطاء طالب العلم مصروف جيب من الدولة او من تبرعات الناس ويمكن زيادة هذا المصروف حسب درجة التفوق فمن أسوأ الامور ان يكون المال وسيلة للحصول على شهادة والا فانظر لقدرات الاطباء المتخرجين حديثا من الجامعات الخاصة لتعرف صدق هذا القول وانظر للانحطاط المعرفي للطلبة هذه الايام والذين يصلون لمرحلة جامعية وهم لم يحسنوا فك الخط بعد
سابعا – هذه هي ما اسميه بخطة الحلابسة لاصلاح التعليم في مصر واعتذر مرة اخرى عن استعمال هذا المصطلح ولكن بصراحة ومن الاّخر (البلد دي مينفعش معاها غير شغل الحلابسة ) وساعتها بس الخيال هيبقى واقع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة.