هذه مجموعة من الخواطر تناجي القلب وتلهم الفكر وتوقظ العقل وأحيانا يكون ذلك خير من قراءة الكتب المطولة .
1- تطوير الذات بين الحياة والكتب
من الرائع ان تكون هناك كتب نفسية تهدينا سبل الحياة وتنير لنا كهف الذات المظلم برغباتها المتناقضة وخداعاتها المتواصلة ولكن هذا وحده لا يكفى ولا يدفع نحو تغير حقيقى فى سلوك الانسان ان لم يضاف اليه افعال واعمال.وانه لمن السخافة والعجز ان نجلس فى حجراتنا بين كتاب ومنتدى نقرأ ونستمع للنصائح المكتوبة او المقرؤة دون ان ننزل لمعترك الحياة ذاته لنشاهد ونتعلم ونستنبط من تجاربنا الحياتية التى عشناها بشعورنا واعصابنا. وان كتاب الحياة لهو اصدق من كل هذه الكتب التى سطرتها الاقلام بل ان قراءة سطور كتاب الحياة هى المعيار الحقيقى لقراءة مفيدة ومعرفة حقيقية .اما من يعتمد فى سلوكه ونظرته للاشياء على الكتب وحدها فانه سيعيش فى كهوف ذوات الاخرين بدلا من كهف ذاته هو . ان للحياة دوافع تجبرك قهرا على التغيير ولن تنبعث فيك هذه الدوافع بمجرد القراءة بل لابد من خوض التجارب ومكافحة الظروف .فان لم تكن حياتك الشخصية باعثة لك على خوض هذا المعترك الذى يسمونه الحياة فاترك حياتك وانطلق للبحث عن التجارب.خالط البشر وادخل معهم فى معاملات وعلاقات.جرب مهنة جديدة .سافر الى بلاد بعيدة.ضع نفسك فى مواقف غريبة.وبعد كل هذا عد الى كتبك واقرأها من جديد فسوف تبدو لك مختلفة لانها ستكون قد تشبعت بتجاربك وخبراتك وستقدر وقتها على اكتشاف الثمين من بين اكوام الغثاثة التى تملئ هذه الكتب. ان الحياة اكبر من ان تحيط بها العقول وستظل دائما تحتوى على اسرار وامور لا يمكن ان تجدها فى الكتب فلا تضيع وقتك الثمين مع كلمات زائفة وتصورات ميتة .
2- الحزن احيانا يكون نعمة
احيانا يكون الحزن هو سبب سعادتنا ويكون الفرح هو سبب تعاستنا لأن الحزن هو باعث الفكر ومحركه ويمنح الروح درجة من الشفافية تجعلها أشبة بمراّة صقيلة مجلوة تنعكس فيها حقائق الاشياء وترتقى فى معارج الإيمان نحو الأبد….اما الفرح فإنه يجعلك تعيش فى اللحظة الراهنة وتنسى كل ما عداها تنسى الزمان والمكان وتنسى الوجود والعدم وتنسى القريب والبعيد ..فسوف ينعدم من وعيك كل صورة وعلم ولن يبقى الا صورة واحدة هى صورة الشئ الذى ابهجك . اما الحزن فانه يجعل الوعى يقظا لكل زمان ومكان وكل حركة وسكون وكل ألم ماضى وكل ألم منتظر …ويحثك على مشاركة الانسانية كلها فى احزانها وهذا لا يوجد فى الفرح لأنه يقتضى الاستغراق فى اللحظة والإنفراد باللذة بلا مشاركة مع الغير. ولكن ليس معنى هذا ان نطلب الحزن ونفضله على الفرح…. كلا….بل ان الفرح هو غاية كل حى ورجاء كل قلب ولكن الفرح نوعان وهما الفرح المحدود الضئيل الحقير ..والفرح الابدى اللانهائى وهما متناقضان متعاندان فلا يمتلئ قلب بأحدهما الا وخلا عن الاّخر ولا يلتفت وعى لأحدهما الا وغفل عن الاّخر. وقد خلق الانسان ظلوما جهولا محدود العقل حقير الرغبة ..يطلب الفرح المحدود الحقير ويستغرق فيه بكل وعيه وكيانه فيغفل عن الفرح الابدى ولذلك فقد كان الحزن نعمة لانه يمنعك من الاستغراق فى اللحظة الراهنة واللذة المحدودة ويجعلك دائم التيقظ لطلب الفرح الابدى فلا تغفل ولا تسهو عنه ولا يتوقف شوقك اليه …فسبحان من جعل حتى فى الحزن نعمة. فالحزن ليس غاية فى ذاته ولكنه قد يكون وسيلة للفرح الابدى واللذة المطلقة وهناك احاديث نبوية تعبر عن هذا المعنى …تدعو للتحازن والتباكى لا لأن الحزن والبكاء غاية فى ذاتيهما وانما لأنهما يمنعان من الاستغراق فى اللذة المحدودة ويذكران النفس باللذة الابدية…فأى فائدة اعظم من هذا.
3- ابعاد الحياة الثلاثة
الحياة لها طول وعرض وعمق ودائما ما تجد الناس يصفون شخص ما بأنه عاش حياته بالطول والعرض ولكنهم لا يذكرون العمق رغم أنه اهم ابعاد الحياة واكثرها كمالا وهم يعنون بالطول عمر الانسان وسنه الزمني ويعنون بالعرض كثرة التجارب والاّلام واللذات اما العمق فمعناه عندي ان تعيش الحياة عقليا اي ان تزداد عقلا وعلما ومعرفة وحكمة في كل لحظة تمر عليك فهذ هي الحياة العميقة وهي اهم بكثير من الحياة الطويلة او العريضة بل لا قيمة ولا معنى للحياة بدون العمق وهذا ان دل على شئ فإنما يدل على ان حياة اغلب البشر هي حياة بلا قيمة ولا معنى لأنهم فقط يرغبون في حياة الطول والعرض ولا يحلمون بحياة العمق رغم انها الأعلى والأرقى فما اجدرنا ان نطلب هذه الحياة ولكن لا تنسى انه بدون طول وعرض لن يكون هناك عمق ولكن يكفي طول قليل وعرض قليل ان كان هناك عمق لا نهاية له.
4- الحياة مذاهب
الحياة هى غريم قوى الشكيمة. والناس فى مواجهتها على ثلاثة مذاهب فاما ان تحاربها واما ان تهادنها واما ان تلاعبها -اما المحاربة فهى مجازفة واما المهادنة فهى خضوع واما الملاعبة فهى سخرية — والمحارب لا يهتم الا بالظفر والمهادن لا يهتم الا بالبقاء والملاعب لايهتم بظفر او بقاء ولا بانتصار او خسارة وانما فقط بلذة اللعب وضحكة السخرية — فكن محاربا ولكن بلا تهور وكن مهادنا ولكن بلا ابتذال وكن ملاعبا ولكن بلا يأس وكن الجميع ولكن بلا غرور.
5- جنون الانسان الغربي
يمكنك ان تدرك الحالة الجنونية التي وصل اليها االانسان الغربي من خلال تأملك في تفاصيل جرائم القتل في المجتمعات الغربية فسوف تعرف وقتها معنى القتل من أجل اللذة وسوف تجد تفاصيل من سلخ جلد وقلع اظافر وتقطيع اعضاء تجعلك تتساءل عن العقل الذي يسير هذا القاتل وكيف وصل الى هذه الدرجة من الاعوجاج والتشوه النفسي هل هو ثمرة مجتمعه ام شذوذه ام تجاربه ولكنه ليس بشخص واحد ولا حالة فردية بل تجد سمة العنف والتلذذ بالقتل ظاهرة عند عتاة المجرمين في الغرب وهناك قصص كثيرة تحكي امثال هذه الجرائم مثل القاتل الذي يسمى (جاك السفاح ) والذي ظهر في لندن في اواخر القرن التاسع عشر وكان يقتل المومسات ويقطع حناجرهن ويشوه بطونهن او مثل حالة القاتل المتسلسل الذي يسمى (المهرج القاتل ) حيث كان يعمل مهرجا في سيرك يضحك الاطفال في الصباح ويقتلهم في المساء بعد ان يتلذذ بتعذيبهم او مثل حالة القاتل المسمى (ثيودور باندي ) والذي ظهر في امريكا وكان يخنق ويغتصب ضحاياه ويقطع رؤسها ويحتفظ بها في منزله كتحف فنية. القتلة في كل عصر وزمان ولكن لم يبلغ الامر هذه الدرجة من القسوة ولم يكن الهدف من القتل سوى التخلص من شخص معاند او مهدد او يقف في طريق القاتل وطموحاته المادية والاجتماعية ولكن أن يصير القتل من اجل اللذة وبهذه الطرق الوحشية التي تثير القشعريرة في كل ذرة من جلدك فهذا ليس بطبيعي ولا بمعتاد ويدل على ان هناك شئ يلعب في عقول الناس ويمسخها ويشوهها فيظهر اثر ذلك على سلوكهم وافعالهم وكأنهم يجدون لذة في العنف وتشويه الجثثت وايلام الاخرين لأن هذه الامور هي مقتضى عقولهم وكما قال الفلاسفة القدماء عن معنى اللذة انه (عبارة عن مقتضى الطبيعة ) فكل شئ تدركه هو مقتضى طبيعتك فانك تلتذ به وكل شئ مضاد لمقتضى طبيعتك فانك تتألم به فكأن هؤلاء القتلة يجدون لذة في التدمير والقتل والشويه والمسخ لأن ذلك هو مقتضى عقولهم فإذا اردنا ان نفهم السبب في هذا السلوك البشع الذي يمارسونه فعلينا ان نبحث عن التشوهات الموجودة في عقولهم ومن الذي قام بها ومن الذي تلاعب بعقولهم فجعلهم يلتذون بالتألم والايلام او بالتشويه والمسخ او بالشذوذ والخروج عن مقتضى الفطرة وعندها ربما ينكشف لك السر,
6- احبك حبين حب الهوي وحب لأنك أهل لذاكا
هذا البيت الشعري كانت تترنم به السيدة رابعة العدوية رحمها الله وان العقل ليتأمل في هذا البيت طمعا في ان يفهم المعاني ا لمكنونة فيه فإن السيدة رابعة العدوية قد فرقت بين نوعين من الحب وهما حب الهوى وحب لأنه يستحق الحب فماذا تقصد بهذه التفرقة وما هو حب الهوى وما هو حب الاستحقاق والذي يلوح لي في تأويل هذا البيت أنها تفرق بين حب النافع وبين حب الجميل فإن الانسان قد يحب شيئا لأنه نافع له مثل ان تحب شخص لأنه يعطف عليك ويعينك بماله وجاهه وقد تحب شخص لا لأنه نافع لك بل لأنه جميل في ذاته حتى وان لم يأتي لك نفع منه فهو يستحق الحب لذاته ولأنه جميل في ذاته دون اعتبار لكونه نافعا لك او غير نافع ثم ان السيدة رابعة اطلقت على النوع الاول اسم (حب الهوي ) وذلك لأن هذا الحب متفرع عن حبك لذاتك ولولا حبك لذاتك لما احببت من ينفعها ومن ينعم عليها ومن يحسن لها فحبك لذاتك يجعلك تحب دوام وجود ذاتك وكمال وجود ذاتك وبقاء وجود ذاتك فإن كان في الوجود سبب يؤدي الى هذه الامور فإنك تحبه لا محاله لانه سبب لدوام وجود محبوبك وكمال محبوبك وبقاء محبوبك الذي هو ذاتك فإن كان لا سبب لكل هذا الا الله فقط فإنه من المنطقي ان لا تحب الا هو لانه لا منعم الا هو ولا محسن الا هو ولا نافع الا هو ولكن هذا الحب هو حب الهوى لأن حبك لذاتك هو الاصل وحبك لله تابع لحبك لذاتك اما الحب الاخر وهو حب الاستحقاق فهو غير متفرع عن حبك لذاتك بل تحب غيرك لذاته وجلاله وجماله وكماله ولا شك ان هذا الحب هو اعلى من حب الهوي لأنه ليس فرع عن حبك لذاتك بل هو اصل وليس فرع لحب اّخر كما انه مترتب على معرفة بالجمال والجلال وليس على ملاحظة العطاء والانعام والاحسان فهو حب استحقاق وليس حب الهوى وكلاهما خير وكلاهما محمود ولكن حب الاستحقاق اعلى من حب الهوى وندعو الله ان ينعم علينا بكلا الحبين فلا نرى نافع الا هو ولا منعم الا هو ولا محسن الا هو ولا خالق الا هو ولا موجد الا هو وأن يرفع الغشاوة والحجب والرين والطبع عن عين القلب حتى نرى جماله وجلاله.
7- المهزلة 27-12-1996
(ليس هناك ما هو اشد هزلا وسخرا من هذه الحياة .انها مسرحية شاملة تريك المأساة بجانب الملهاة والضحك بجانب البكاء والموت مع الحياة فما اشد تناقضها وجمعها بين الاضداد .فيال هذا الجمع الهازل الساخر ويال ما يبعثه من ضحكات وقهقهات ولكنه ضحك اشبه بالبكاء وقهقهة اقرب لغرغرة الموت. ولكنها مسرحية بلا مشاهدين ولا مستمعين فالكل فيها ممثل والكل فيها لاعب لدور من الادوار فهذا منافق وذاك مرائى وهذا لص وذاك شرطى وهذا ثرى اتخمته اللذة وذاك فقير معدم طحنته الحاجة .فيالها من سمفونية تتعالى فيها كل الاصوات ولكنها سيفونية النشاز لا ضابط فيها للارتفاع والانخفاض . وكلنا يمثل دوره بحماس ونشاط بلا كلل او ملل ودون ان نعرف اننا نمثل فلا نشاهد انفسنا ولا نتفكر فى الاحداث المتلاحقة بل نحن مشغولون بأدورانا لا ننقطع عنها لحظة للتأمل والاعتبار حتى يأتى الموت فيحطم كل الممثلين ولكن في انتظار الممثلين الجدد يبقى المسرح وتبقى الادوار . وعندها نكتشف كم كنا بلهاء واغمار.ايها البلهاء لن العب معكم لعبة السخافة لن امثل معكم فى مسرحية الصفاقة .سوف ابقى وحدى فى مقعدى اتفرج واشاهد واتأمل واعتبر حتى يأتى موعد القضاء وتنتهى مسرحيتكم الهزلاء فمثلوا كما تشاؤا والعبوا كما تشاؤا فلن ابكى ولن اضحك ولن انفعل ولن اصفق لأننى لم أعد احب ولم أعد اكره.
ــــــــــــــــــ
هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي فريق المكتبة العامة